عبدالعزيز السماري

يقول الداعية أمام المحكمة: “وصفت اللاحم بمحامي الزنادقة، تقربًا إلى الله، على سبيل التحذير منه، وأقول تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم، فما تفعلونه بالناس تحت ذريعة التقرب إلي الله عز وجل يستحق التوقف قليلاً، بينما نحن نسير في طريق النكوص مرة أخرى إلي الدرك الأسفل في حضارة الإنسان.

فالتقرب إلي الله كذلك يدعيه المتطرفون الذين يفجرون الأسواق والمساجد، ويقتلون الأبرياء، ويدعيه أيضاً الذين يغتصبون النساء تحت غطاء مشروعية الرق وإمتلاك السبايا في عصر أصبح فيه الإنسان أكثر وعياً بحقوقه وحريته وكرامته...

التقرب إلي الله كذلك كان يرجو وصله بعض أعضاء الهيئة المتطرفين عندما كانت مطارداتهم تؤدي إلي مقتل أو إصابة الهاربين من بطشهم في الشوارع، كان نتيجتها أن تم تحجيم دور الهيئة بسبب أعمالهم الدموية في شوارع المدن والقرى.

التقرب إلي الله كذلك لازال يدّعيه إولئك الذين يضغطون على أرقاب الأطفال والنساء والمرضى تحت دعوي إخراج الجني الساكن بين ضلوعهم، بينما الأمر في حقيقته لا يتجاوز علة صحية تستدعي العلاج في أحد المستشفيات.

التقرب إلي الله أيضاً كان يعتقد به بعض مشائخ البنوك عندما قدموا أسلمة قروض الرباء من خلال وسيط مادي عربوناً لدخلوهم إلي البنوك من أوسع أبوابها، و كانت نتيجته أن أغرقوا المواطنين في الديون المتأسلمة لمصلحة البنوك..

التقرب إلي الله كان أيضاً نية المأذون الذي عقد مؤخراً نكاح قاصر على رجل سبيعيني في أحد مناطق المملكة، ولولا التدخل الإداري لدخل عليها، وحصلت الكارثة في حق الطفلة البريئة،

التقرب إلى الله كان كذلك غرض المشائخ الذين يفتون للشباب أن يسافروا للجهاد في الخارج، بينما يكمل أبناءهم دراستهم الجامعية في جامعات الغرب الكافرة..

التقرب إلي الله كذلك كان يرجوه الذين يجيزون الأعطيات والهبات لذويهم من دون البشر، ثم يطالبون الفقراء والمساكين أن يصبروا على إمتحان الغلا و الفقر والعوز طلباً للأجر والثواب من رب العالمين..

يعتبر أبن الهيثم أول عالم تجريبي في التاريخ، و أحد أهم أربعة علماء الفيزياء في

تاريخ العلم بالإضافة إلي أرخميدس ونيوتن وأنشتين، لكنه مع ذلك لم يسلم من طريقتكم العدمية في التقرب إلي الله، فأتهمتوه بالإلحاد والزندقة، وتم إعدامه معنوياً، إلي أن ظهر أثره العلمي الكبير بعد قرون خارج الحدود..

كانت أسلوب أبن الهيثم في التقرب إلى الله تختصرها مقولته التالية " سعيت دومًا نحو المعرفة والحقيقة، وآمنت بأني لكي أتقرب إلى الله، ليس هناك طريقة أفضل من ذلك من البحث عن المعرفة والحقيقة "..

كانت هذه العبارة الشفرة التي أكتشفها لاحقاً أوغست كانت في فلسفته الوضعية، ولكم أن تقارنوا الآن بين حالهم المتفوقة في أوروبا، وحالنا البائسة في عوالم المسلمين..

كنّا أمة تتصدر الأمم إلي أن دخلتوا بأساليبكم التدميرية عبر بوابة التقرب إلي الله، فكان ضحاياكم علماء ومثقفين غيروا التاريخ، و كان الرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سيناء وجابر أبن حيان زنادقة وملحدين في مقصلتكم التاريخية، وواجه ابن رشد والعسقلاني والسهروردي وابن حيان والنووي وابن المقفع والطبري نفس المصير والإتهامات..

ختاماً أقول هنيئا لك يا عبدالرحمن اللاحم بلقب محامي الزنادقة، فقد أصبحت محامياً للتاريخ الذهي المفقود، ومحامياً لأهم مرحلة علمية في تاريخ البشر، ومحامياِ لعلماء غيروا وجه التاريخ من أمثال أبن حيان وأبن سيناء و أبن الهيثم والفقيه الفيلسوف أبن رشد،والرزاي والفارابي وأبن النفيس وغيرهم الكثير ممن واجهوا حتفهم بسبب نزعتهم الإبداعية والعقلانية في العلم والفكر..