بحكم نشاطي السياسي واهتمامي بقضايا الشعوب والاقليات المضطهدة في سوريا و المنطقة، ربطتني علاقة متميزة بالأخوة الكورد السوريين، وبشكل خاص مع السياسيين والمثقفين والنشطاء منهم. انطلقتُ في هذه العلاقة من قناعة تامة بضرورة تجاوز الماضي بكل محطاته وصفحاته السوداء وتحرير (العلاقة الكردية – الاشورية ) من عقد هذا الماضي وتراكماته السلبية، رغم إدراكي التام، بأن العنصر الكردي المسلم، كان على الدوام هو المعتدي على العنصر الآشوري المسيحي، بحكم البيئة الاسلامية الطاغية والغالبة التي يعيش فيها الاشوريون ومسيحيو المشرق عموماً. ما زلت من الداعين للعمل معاً( عرباً وكرداً وآشوريين وارمن وكل السوريين) لأجل مستقبل آمن مستقر لأبنائنا وأحفادنا وللأجيال القادمة. انسجاماً مع هذه القناعات والتوجهات، لم اتردد في إدانة بطش وعسف سلطات الأمن السورية بالمتظاهرين الكرد على خلفية أحداث الملعب في القامشلي آذار 2004. تصاريحي السياسية لوسائل الاعلام ومقالاتي الصحفية، والتي حملتُ فيها النظام السوري مسؤولية قتل وجرح العشرات من الأكراد في تلك الأحداث، استشهد بها الكثير من الأكراد ممن كتبوا وارشفوا لتلك الأحداث المؤلمة. أدنت وبشدة جريمة خطف واغتيال الشيخ الكردي (معشوق الخزنوي) وسط العاصمة دمشق،صيف 2005. وقد وصفته بـ " شهيد الوطن السوري" , أشدتُ بنهجه الاسلامي التنويري والمنفتح على الآخر. من ما قلته امام الآلاف في مجلس عزاء الشيخ الشهيد " إذا كان الاسلام هو اسلام الشيخ معشوق الخزنوي فجميعنا مسلمون".. لا أكشف سراً، بأن وقوفي الى جانب الأخوة الكورد في تلك الأحداث المؤلمة، ومطالبتي بمحاسبة المسؤولين عن سفك الدم الكردي في القامشلي، أثارت حفيظة واستياء الكثيرين داخل (المنظمة الآثورية الديمقراطية) - حينها كنت أحد اعضاء مكتبها السياسي-، طالبوا بطردي من المنظمة، وقد تحقق ما ارادوه وتخلصوا من شخص(سليمان)، كان يبدو لهم شاذاً عن افكارهم التقليدية وعن نهجهم الطائفي العنصري المتخلف، الطاغي على فكر ونهج وسلوك المنظمة الآثورية. ناصرت ومازالت أناصر قضية الأكراد السوريين، مثلما أناصر قضية الاشوريين السوريين، باعتبار القضيتان جزء من القضية الوطنية السورية العامة. ما اريده للآشوريين السوريين من حقوق ومكانة وشراكة وطنية، اريده للأخوة الكورد ولجميع مكونات المجتمع السوري. يعز علي إذا ما حكم سوريا الجديدة، ما بعد الأسد، رئيساً كردياً، يأتي عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وأن اجد مشاركة كردية فاعلة ومتوازنة في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة السورية. لا أقول هذا بحثاً عن "شهادة حسن سلوك" في الوطنية من أحد، فهذا من صلب مبادئي وقيمي الوطنية وأخلاقي الانسانية. لكن للأسف، يبدو أنني، ككثيرين في الحركة الوطنية الآشورية و السورية عامة، خُدعت ببعض الشعارات والخطابات الوطنية والديمقراطية، التي كانت ترفعها وترددها فصائل واحزاب الحركة الكردية. فما أن تفجرت الأزمة السورية الراهنة، آذار 2011، حتى استغلت الحركة الكردية، الظروف الأمنية والسياسية الشاذة التي خلفتها الأزمة، ووجدت فيها الفرصة، التي كانت تنتظرها، للكشف عن ما كانت تخفيه لجهة مشروعها "الكردستاني" المتعارض مع المشروع "الوطني السوري". الساسة الكرد، أخرجوا قضية أكراد سوريا من إطارها (الوطني السوري) الصحيح، ووضعوها في إطار" كردستاني" خاطئ. بدأوا يتحدثون صراحة عن ما يسمونه زوراً بـ " كردستان سوريا - روج آفا" ورفعوا سقف مطالبهم من الاعتراف الدستوري والحقوق الثقافية والديمقراطية والشراكة الحقيقية وحقوق المواطنة الكاملة في إطار الدولة السورية، الى "حكم ذاتي" ثم "فدرالية". طبعاً، إذا ما جرت الرياح كما تشتهي سفن اكراد سوريا، سيعلنون الطلاق السياسي والانفصال عن "الدولة السورية" واعلان دويلتهم "الكردية"، على خطى اشقائهم أكراد العراق. إزاء هذا التحول الكبير والخطير في التوجهات والاجندة لأكراد سوريا، كان لا بد من إعادة النظر بالعلاقة مع القوى السياسية الكردية وبالموقف منها. تجدر الاشارة هنا، الى أن الكثير من المثقفين والكتاب الكورد السوريين، كانوا يصفنني بـ"الكاتب الوطني وصديق الشعب الكردي". لكن اليوم وبعد دحضي ورفضي لأكذوبة "كردستان سوريا" اصبحتُ في نظر هؤلاء "طائفياً عنصرياً بعثياً عفلقياً حاقداً على الكرد ومعادياً لهم". أنها "الوصفة الكردية الجاهزة" لكل معارض للمشروع الكردستاني في سوريا،حتى لو كان من اخلص الوطنيين السوريين. إذا ما اصر الأكراد على تحقيق مشروعهم الكردستاني والانفصال عن الدول التي يعيشون فيها، سيفتحون ابواب "جهنم" على انفسهم وعلى جميع شعوب واقوام المنطقة. تطلعهم لما يسمونه بـ"كردستان الكبرى" سيكون سبباً في إشعال وتفجير حروب وصراعات عرقية وطائفية ومذهبية مفتوحة، قد تستمر لمئة عام، بدأ نذيرها مع استفتاء أكراد الشمال العراقي على انفصالهم عن دولة العراق. نعم، التاريخ ظلم "الأكراد الميديين" بحرمانهم من إنشاء "وطن قومي" خاص بهم في موطنهم التاريخي في " اقليم كردستان"، الموجود ضمن اراضي الدولة الايرانية الفارسية، لكنهم(الأكراد) ليسوا الوحيدين ممن ظلمهم التاريخ. الآشوريون(سريانا/كلدانا)،شعب بلاد ما بين النهرين، هم أكثر شعوب المنطقة عانوا من جور التاريخ وظلم الآخرين، وهم أصحاب اقدم وأعرق حضارة في الشرق القديم. على الساسة والقادة الكورد أن يدركون بأن"الأخطاء التاريخية" يصعب، بل يستحيل تصحيحها. 

باحث سوري مهتم بقضايا الاقليات.
[email protected]