لم ينتبه الكثيرون الى خطورة الدعاية الاعلامية التي تكثف من وجود علاقة استراتيجية وتعاون بين اسرائيل والكورد، ومن خلال الاعلام العربي التي تنبئ بتصعيد الخلاف بين الشعب الكردي وبعض الشعوب العربية المجاورة لدولة كردستان الكبرى ودول اخرى في محيط الشرق الاوسط، وعدم التفكير بمدى خطورة تلك الدعاية التي قد تؤدي الى بغض وكراهية ينشأ عنهما في المستقبل كوارث لا تحمد عقباها، ودون التمعن في خلفية ما يذاع من وجود تنسيق بين دولة اسرائيل وحكومة اقليم كردستان وبفقدان تام للادلة والبراهين، حيث ان جميع الحقائق التاريخية والتي ليست ببعيدة تكشف ان الكثير من تلك الانظمة التي تدير المنابر الاعلامية هي انظمة متعاونة مع الحكومة الاسرائيلية من خلف الستار والبعض منها على خشبة المسرح ولديها تنسيق كامل منذ ان تم إبرام معاهدة السلام بين مصر واسرائيل في واشنطن 26 مارس 1979( رغم تحفظ بعض دول الخليج )، ومن استفاد من زرع ذاك الفكر المتصارع فيما بعد هم القوى العظمة التي ادركت بان التاريح لا ينتهي ويتجدد من خلال الغزوات والثأر والبحث عن المال والنفوذ والسلطة، فهم الوحيدين الذين استفادو من الصراع الاسرائيلي العربي، حيث ظل الصراع ضمن حدود الشرق الاوسط قدر الامكان ولم يلتفت العرب والعالم الاسلامي الى تاريخهم الذي تم نهبه من قبل البريطانيين والاوروبيين من خلال الاستيلاء على أهم ثروات واثار ومعالم الحضارة الشرقيه.

منذ اعلان الاحزاب الكردستانية في اقليم كردستان عن اجراء الاستفتاء للاستقلال بتاريخ 25-9-2017 والذي تم فيما بعد بنجاح واسع واسرائيل تقوم بمغازلة الكرد وارسال رسائل واضحة من تل ابيب الى اربيل تتضمن دعم قيام دولة كردية وهي رسائل الهدف منها اظهار ان الاستخبارات الاسرائيلية هي من تتجكم باقليم كردستان وستكون هناك دولة استخبارات في المنطقة،ولا يعلم الكثيرين وخاصة الكرد نوعية ذاك الدعم المعلن عنه، فالحقيقة المطلقة ان اسرائيل لن تقوم بالدخول في حرب شرق اوسطية لاجل الاكراد في حال تعرضهم لاي عدوان بالاضافة الى ان تاريخهم لم يشهد ان قدموا دعم اقتصادي لغيرهم بل على العكس تماما اليهود ومنذ القدم سياستهم هي الأخذ دون العطاء وهذا كان من اهم الاسباب التي جعلتهم يتحكمون بالاقتصاد العالمي دون منازع.

غزل وملاطفة اسرائيلية للكرد اصبحت نقاط هامة في سياستها داخل الشرق الاوسط وعلى الارجح انها نقاط ايجابية بالنسبة لها فقط واهمها:

- تخفيف الغضب الشعبي لبعض الشعوب العربية وتحويلها باتجاه الكرد لانها اصبحت في نظرهم حليفة اسرائيل ومن لا يستطيع معاداة تل ابيب او الحاق الضرر بها فسيقوم بمحاربة الكرد لإثبات انه ما زال يعادي اسرائيل ونيل وسام البطولة.

- قلب الرأي العام العربي والعالمي للوقوف في وجه استقلال كردستان بسبب دعمها لهم علناٌ فاسرائيل دائما تستهزئ بجميع القرارات الدولية وهي الوحيدة التي جعلت من الامم المتحدة مؤوسسة لا قيمة لقرراتها وهذا ما سيجعل من تلك الدول والامم المتحدة لمعارضة قيام دولة كردية.

- الالهاء عن الصراع الداخلي مع فلسطين واستمرارها في تعمير المستوطنات ومشاريعها في الدول التي شهدت حروب ونزاعات وتحويل الانظار الى استقلال كردستان.

- أحياء الصراع الشيعي الكردي وقلب الموالين لحكومة الاقليم ضدها وشهدت الفترة الاخيرة تصريحات من عدة مسؤولين عراقيين ( شيعة ) اهمها كان من التيار الصدري بمعارضته للاستفتاء وانفصال الاقليم وكان اهم الاسباب هو تدخل اسرائيل.

- جعلها من ملف الاستقلال ورقة رابحة للعب عليها من خلال ملفاتها العالقة مع تركيا وسوريا وايران وهذا ما استفادت منه بعض الانظمة العربية ايضاٌ التي كانت متحالفة مع الحكومة الاسرائيلية وباتت الان في موقف النسيان بسبب وجود حلف علني جديد هو دولة كردستان، وهذا ما جعل من تلك الدول بدعم اعلامها وتوجيهها الى الغزل الاسرائيلي محاولة بذلك نسيان شعوبها عن تعاملها التاريخي معها بالاضافة للتغطية على ملفاتها الداخليه والشائكة.

المصير القادم للكرد في غاية الصعوبة فبناء الدولة والاعتراف به دوليا صعب جدا يحتاج الى مقومات سليمة للصمود ( الصمود فوق القمة أصعب من الوصول إليها ) وللاستفادة من تجارب الدويلات السابقة التي سقطت، فلن تحلق طائرات تل ابيب فوق سماء اربيل للدفاع عنها ولن تدخل في حرب عسكرية مع أي دولة لاجل حق الشعب الكردي ودخول داعش في آب 2014 الى شنكال واقترابها الى حدود اربيل كان بمثابة خطر لا يمكن تجاهله ورغم ذلك وقفت اسرائيل والمجتمع الدولي والقوى العظمى دون أي دعم للاكراد ولو كان هناك تعاون أستخباراتي بين الكورد وتل ابيب لتم اعلامهم بهجوم داعش وتجنب الكارثة، الا ان الغريب في الامر ان كوردستان لم تعلم ابدا بذاك الهجوم الا بعد وقوعه في حين صرح نوري المالكي نائب الرئيس العراقي بانهم كانو على علم مسبق بهجوم داعش في شنكال، ولولا تدخل الطائرات الامريكية في اللحظة الحاسمة لكان داعش الان في قلب كردستان، وكان الدعم الامريكي للحفاظ على مصالحه داخل الاقليم ومقومات مشروع خارطة الشرق الاوسط الجديد التي كانت في خطر محتم.

لا يوجد صداقة بين اسرائيل والكرد كما لا يوجد عداوة ايضا، فالطرفان خارجان عن نطاق تضارب المصالح كل هذه الاعتبارات لم تدركها بعد القوى الكردستانية فما زالت خلافاتهم عميقة تارة تظهر علنا وتارة اخرى مخفيه كالبركان فتحالفهم وتوحدهم وحده كافي لقيام دولتهم مع وجود مصالح مشتركة مع القوى العظمى، وكل ما هو غير ذلك فهو زوبعة اعلامية لا أكثر ولا فائدة منها بل على العكس تماما هو تهديد مباشر للامن القومي الكردي، فقط في ترتيب البيت الكردي على اساس قومي ستوجد دولة اسمها كردستان وعلى هذا الاساس ستعود الشعوب العربية لدراسة وتاريخ الكرد ليتبين لهم الحقيقة وعلى مر عقود ان الشعب الكردي هو شعب محب للسلام والحرية والديمقراطية الحقيقية.

كاتب سياسي كردي