أكدت نتائج الاستفتاء في إقليم كردستان العراق أن وقت تغيير الخرائط التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو لم يحن بعد ذلك أن الواقع الجديد يؤكد إجماع المجتمع الدولي والدول المؤثرة في الاقليم على التمسك بالحدود القائمة، وأن أقصى ما يمكن أن تطمح له الأقليات الطامحة لتأكيد هويتها هو القبول بحلول لاتتجاوز سقف الفيدرالية التي لن يكون لها تأثير على حدود الدول

القول بأن مسعود البرزاني هو الخاسر الوحيد قفز عن حقيقة أن الكرد جميعا أصابتهم نكسة كبيرة. لكنها لن تكون الضربة القاضية فالولايات المتحدة التي وقفت على الحياد وهي تراقب عن قرب اجتياح القوات العراقية لكركوك مؤيدة بالحشد الشعبي المتهم بتبعيته لايران لم تحدد بعد موقفها من ما استجد من وقائع وهي التي أعلنت استراتيجية تقضي بتقليم أذرع «الحرس الثوري» في المنطقة العربية، ويبحث عن دور لشركائه في الإقليم. فهل يكون منطقيا تخليها عن واحد من أخلص حلفائها وهو يحافظ على زعامته في كردستان رغم فشل خطوته الأخيرة وإصراره على الاستفتاء.

ليس مجديا اليوم تحميل مسعود البرزاني كل المسؤولية، اجتهد الرجل والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب لكن المهم أن حلم تشكيل دولة كردية تجمع شتات هذه الأمة سيظل قائما في نفوس أبنائها الذين يشعرون اليوم بوحدتهم بعد أن خذلهم الجميع، وإذا كان ما حدث ضربة مؤلمة لكل القوى السياسية في الاقليم وهي جميعا خاسرة فإن عليهم أن صفحة الاستفتاء قد طويت مع أن نتائجه ستظل قائمة في في ذهن وضمير وقلب كل كردي

يبدو واجبا على كل متابع النظر بجدية أولاً إلى مبدأ حق تقرير المصير. على أن يتم ضمن شروطه الطبيعية ومعروف أن الحركات الكردية، حاولت تحسين شروط الصراع لمصلحتها وكان كرد العراق السباقين في الاستفادة من الحرب ضد نظام صدام حسين كما حاول كرد تركيا تحسين شروط حياتهم والتوازنات داخل بلدهم، لكنهم عجزوا أمام الإصرار التركي على حجب الأساسي من حقوقهم السياسية رغم ما حققوه من تقدم محدود في هذا المجال. وفي سوريا منح اندلاع الأزمة السورية فرصة للكرد لتحقيق بعض مطالبهم السياسية والأمنية ويظل أن كرد إيران لم ينالوا شيئاً من حقوقهم لكن الأمل ساكن في نفوسهم ينتظر الفرصة ليتحقق.

نعرف جميعاً وذلك ما كان يجب أن يدركه البرزاني أن الأميركيين تبنوا مسألة الحقوق الكردية ليس غراماً بسواد عيونهم وإنما لاستخدام قوة قضيتهم ضد مناوئي السياسات الأميركية وكذلك فعلت إسرائيل ويبدو ان ذلك كان إراءً لمسعود البرازاني لرفع شعار الاستقلال مستغلا الازمة الراهنة وغير منتظر لانتهائها وربما كما يشاع لأسباب تتعلق بصعوباته الخاصة وكانت النتيجة اختيارة توقيتاً غير مناسب، فأقحم الاستفتاء عاملاً في الصراع على السلطة، ما شتت الموقف السياسي في الاقليم اضافة لتجاهله مواقف مواقف الدول المعنية بالوجود الكردي بعد تقاربها ووقوفها مجتمعة ضد فكرة الاستقلال غير ان كل ذلك لا يجب أن يعني التعامل مع حقوق الكرد بوسائل عفى عليها الزمن وأثبتت فشلها أكثر من مرة خلال العقود الماضية.

تعنت بغداد ومحاولة فرض شروط قاسية على أربيل تقترب من "كسر الرأس" ليس في مصلحة العراق ما دامت حكومة الاقليم قدمت تنازلات جوهرية، وليست مجدية محاولات إلغاء الدور التاريخي لمسعود البارزاني وهو واحد من 92% شاركوا في الاستفتاء ومن بينهم أيضاً كما ينبغي القول تلك المجموعة التي تسعى اليوم وبانتهازية شديدة الوضوح وانتقامية عبر التفاهم مع بغداد إلى احتلال مقدمة "الصورة المهزوزة في الاقليم" وحتى لو تنحى كاك مسعود عن موقعه الرئاسي فإنه سيظل زعيماً كردياً لن يقل حضوره على ساحة القضية الكردية التي ستظل مسكونة بهاجس بناء الدولة القومية للكرد أينما تواجدوا على أرضهم التاريخية.