على مدى ما يقرب من ستة عقود، أمضاها، منظمة ثقافية فاعلة في المجتمع ، على مسافة من الدولة ،قريبة من أحزاب المعارضة ؛ لم يصطدم اتحاد كتاب المغرب بالنظام ولم يقع تحت طائلة القانون في فترات الشدة والاحتقان السياسي والفكري بالمغرب.

لكن هذه الهيئة التي توصف بالعتيدة ، سيشهر اسمها في لوحة إعلانات إحدى محاكم الرباط ؛ على إثر الدعوة التي رفعها رئيس الاتحاد ،عبد الرحيم العلام، ضد زميلة له في المكتب التنفيذي ، إثر خلاف شديد بين المدعى عليها وباقي أعضاء المكتب المسير ضمنهم من يتولون مسؤولية أساسية: الكتابة العامة وأمانة المال .

لم تعالج ليلى الشافعي،المحررة السابقة بوكالة الأنباء المغربية، خلافها مع زملائها بالتي هي أحسن في إطار نقاش داخلي في المكتب أو أنها أجلته إلى المؤتمر ، وإنما أخرجت إلى العلن غسيل المطبخ ، كما يقال ، ونشرته على نطاق واسع عبر موقع الكتروني ، تناقلت شبكة التواصل الاجتماعي أبرز ما ورد في مقالها الطويل .

اعتبر كتاب أعضاء ، أنها خرجت عن جادة الصواب ، فقد كالت تهما أخلاقية ثقيلة ، للرئيس ولأعضاء في المكتب، تصريحا وليس تلميحا؛ الأمر الذي حمل الأول على اللجوء للعدالة،دفاعا عن نفسه وتبرئة لذمته المالية قبل صيانة شرف المنظمة الثقافية المغربية الأم.

وليس الخلاف في الرأي بل الصراع جديدا وطارئا على اتحاد الكتاب .لم تسلم منه جميع المكاتب التي توالت على قيادته ، يبلغ ذروته أثناء المؤتمرات العامة ، على خلفية مواقف سياسية واحتكاكات إيديولوجية، تنتصر فيها الحكمة في النهاية، على اعتبار أن الحساسيات الفكرية والسياسية التي اختلفت في الاتحاد ،استندت في الغالب على مرجعيات حزبية ؛ فأغلب الكتاب والمثقفين الأعضاء في المنظمة ، انتموا بدرجات إلى أحزاب المعارضة اليسارية والمعتدلة.وهذه الأخيرة حرصت دائما على أن يظل اتحاد الكتاب ، واجهة ثقافية ورديفا لها في مواجهاتها مع النظام .

النازلة المعروضة الآن، والتي يتوقع أن تبت فيها العدالة، ليست ثقافية ؛ هي مختلفة في أسبابها وتوقيتها . قضية لها ارتباط بالتخليق وسوء تدبير وفساد مالي ، حسبما ما ورد في "رسالة الشافعي"غير المسبوقة في تاريخ الجمعيات الثقافية في المغرب، والتي خلفت ردود فعل مستنكرة للأسلوب الذي حررت به ،بصرف النظر عن مدى صحة أو بطلان المنسوب للمتضررين منها .

أية تداعيات وعواقب ستنجم عن هذا الخطاب / الاتهام؟ يلزم التذكير، ببعض المعطيات في طليعتها أن اتحاد كتاب المغرب ، على وشك انعقاد مؤتمره العام ، أواخر الشهر المقبل في مدينة طنجة ؛ بعد تجاوز لأكثر من سنتين للولاية القانونية السابقة ، فرضته أسباب مادية.

ويتخوف الأعضاء من حدوث مشاكل في المؤتمر ،خاصة وان مكتب المنظمة اتخذ قرارا جماعيا بالتوقيع على قرار بإلغاء عضوية الكاتبة والتشطيب على اسمها من المنظمة .إجراء تصعيدي، كان يفترض أن يترك للمؤتمر العام البت فيه باعتباره أعلى سلطة، أو إحالته على هيئة تحكيم ، بعد أن تقول العدالة كلمتها. 

وهكذا ، لا يستبعد صدور احتجاج عنيف من "الكاتبة " المطرودة على قرار زملائها ، والطعن فيه ، ما قد يتسبب في حدوث فوضى وكهربة الأجواء في مؤتمر منظمة تعاني في الحقيقة مشاكل متراكمة ؛ ليس بسبب سلوك أعضائها ، وإنما لشعور يخامر كثيرين ، بأن صلاحية اتحادهم انتهت واستنفد أهداف التأسيس، وبالتالي فهو مطالب بتغيير جلده ولونه وموقعه في مجتمع جديد متحول بإيقاع سريع وغير منتظم.

لقد انتبهت اللجنة التحضيرية التي هيأت أوراق المؤتمر المقبل ، إلى هذا التحول في أفق اعادة الهيكلة ، وتأملت جيدا في مآل كيان توارت المبررات التي كانت وراء قيامه في بداية ستينيات القرن الماضي ؛ لم يتجاوز عدد أعضاء الاتحاد حينها ،العشرين كاتبا، بينما يشارفون حاليا الأربعمائة.

النقاش بخصوص مستقبل ودورالمنظمة بغاية إعادة النظر في هيكلتها وأسسها الفكرية والإبداعية؛ في مغرب زاخر بالجمعيات والفعاليات المزاحمة للاتحاد في غاياته ووسائله. النقاش المتوخى يستلزم توفر أجواء هادئة مغايرة للتي أثارتها الرسالة ، ويمكن أن تلقى بظلالها على أشغال المؤتمر المقبل.

لقد تعالت الأصوات في السنوات الأخيرة، مطالبة بخروج الاتحاد من تحت مظلة الأحزاب والابتعاد عن ساحتها، للتعارض الطبيعي بين الأجندات.

تحقق ذلك المطلب ودخلت المنظمة في تجربة، ليست أفضل من سابقاتها، على مستوى الانسجام والفعالية . والواقع أن أحزاب المعارضة القديمة نظرت إلى منظمة الكتاب المغاربة، كسند ثقافي مؤيد لمواقفها ولم تحاول ابتلاعها أو صبغها بلون حزبي قاتم.

الآن وقد رفعت الحزبية أياديها عن الاتحاد، إذ تكفيها مشاكلها التنظيمية ، أصبح اتحاد الكتاب معرضا لزوابع وتيارات من عدة جهات .فكيف يمتلك القوة الذاتية للدفاع عن نفسه لإثبات جدارته وأن قادر على السير في الهاجرة دون مظلة حزبية ؟