أعادت إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري يوم أمس خلط الأوراق رأساً على عقب واضعة لبنان في فوهة الأحداث بتوقيت حاسم، حيث تجري حالياً جردة حساب شاملة للقوى الفاعلة إقليمياً ودولياً تمهيداً للولوج إلى التسوية الكبرى المُناط بها رسم خطوط توازنات المرحلة القادمة. 
الغريب العجيب أن يضطر رئيس حكومة مؤتمن على تطبيق الدستور للإستقالة إعتراضاً على تجاوزات رئيس ميليشيا خارج عن سلطة الدولة والدستور، فقد جاء في حيثيات إستقالة الحريري أنّ تدخل حزب الله تسبب للبنان بمشكلات مع محيطه العربي وأنه فرض بذلك أمراً واقعاً بقوة السلاح، كما أشار أن لإيران رغبة جامحة في تدمير العالم العربي، وأعرب عن خشيته من التعرّض للإغتيال قائلاً أنه قد لمس ما يحاك سراً لإستهداف حياته مُشبّهاً الأجواء الراهنة بما كان عليه الحال قبيل إغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. 
مضمون ما أعلنه الحريري الإبن عن أسباب هذه الإستقالة المُدويّة إضافة إلى شكل ومكان هذا الإعلان من العاصمة السعودية الرياض أخرج الحدث من سياقه المحلّي ليربطه مباشرة بتطورات المشهد الإقليمي. 
****
المعضلة هي أن الدور الذي أَلبَس حزب الله نفسه فيه في العقد الأخير فاق قدرته هو وقدرة لبنان على تحمّل تبعاته لأنه إبتداءاً دور شاذ ينافي أصول الدساتير النّاظمة لقيام أي دولة كما يتعرّض بالسوء للعلاقات السلمية الطبيعية بين الدول، وإصرار هذا الحزب على المضي في تنفيذ أجندة دولة أجنبية على حساب المصالح اللبنانية والعربية ما كان ليكون لولا السكوت المريب عن ترسانة الأسلحة والصواريخ التي يستحصل عليها من إيران لترهيب اللبنانيين وقتل السوريين والعراقيين واليمنيين وتهديد أمن وإستقرار دول وشعوب عربيّة! 
تمادى حزب الله في الفرعنه على الشعب اللبناني والشعوب العربيّة، هذا التمادي - دون رد - وضع الجميع أمام واقع مسدود يستوجب فجوة في جدار الأزمة، سيّما وأن حزب الله ينجح - حتى الآن- في لعبة التضليل جاعلاً عدوّه المباشر مجموعات من العبثيين الإرهابيين المتشددين الهزليين ومعهم ومن قبلهم إسرائيل فيما إستهدافاته الحقيقية هي لسائر المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج بحافز أن هذه الدول تعاني من فراغ إستراتيجي تسعى إيران إلى التغلغل فيها وحجز موطيء قدم لها ولعب دور "الشرطي" من خلال إختراقها لنسيج هذه الدول الإجتماعي ودعم مجموعات وميليشيات مذهبية تخريبية لتحقيق هذا الغرض.
لكن ماذا لو آن أوان علاج هذا الخلل المتمادي وقرّر أهل الدّار الإنتصار لذاتهم وتأمين سلامة مجتمعاتهم، ووفّروا البيئة الدولية والإقليمية المناسبة لذلك؟ 
تحدث أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وإنطلاقاً من سياق خطابه المعتاد أشار إلى أنّ نص بيان هذه الإستقالة مكتوب بأحرف سعودية وقد جرى إملاؤه وإجبار الحريري على تلاوته، وأنه يأتي في إطار حملة أميركية إسرائيلية سعودية لإستهداف محور المقاومة المنتصر في سوريا والعراق، وأنهم سيفشلون مجددا، ولم ينس أمين عام حزب الله أن يحذّر إسرائيل من أي "حماقة" قد تعمد إليها لضرب حزبه في لبنان، أما على المستوى الداخلي فحضرت في كلمته دعوات العفّة والحكمة والتلاقي وتغليب "المصلحة الوطنية" والحوار وضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت دون المس بالمكون السنّي وأن هذا التماسك الداخلي من شأنه إجهاض مخطط إشعال الساحة اللبنانية وضرب الإستقرار، بالمقابل لم يصارح نصر الله جمهوره بحقيقة الموقف الإقليمي وبما تمّ تداوله بقوة في الأروقة الديبلوماسية من قرار إستراتيجي بضرب كافة قواعد حزب الله في سوريا ولبنان، وهو يعلم أن إخفاء بعض الحقائق بحجّة الحفاظ على معنويات مناصري الحزب لا يمكن أن يستمر للأبد بل قد يؤدي – فجأة – إلى نتائج كارثيّة. 
إن إستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري هي رأس جبل الجليد يليها صقيع قارس، وهي صفارة البداية لتطورات متلاحقة على الساحة اللبنانية، أراد الحريري في قرار وطني إستباقي فك الإرتباط وفصل الدولة والحكومة ضمناً عن حزب الله لتجنيب لبنان أثمان باهظة هو بغنى عنها فضلاً عن كونه أضعف من أن يتحمّل تبعاتها، وما بين سطور الإستقالة دعوة صريحة ليراجع الكل حساباته وما كسبت يداه. 
إذاً، كيف ستكون الترجمة السياسية لما ردّده الرئيس الحريري في بيانه المُباغت ومن قبله ثامر السبهان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي من أن " أيدي إيران في المنطقة ستقطع "؟ 
تقاطعت معلومات أمنية وديبلوماسية غربيّة عن أن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه دول عربية على رأسها المملكة العربية السعوديّة قد رصد مواقع حزب الله العسكرية ومنصات صواريخه كافة في سوريا ولبنان وأن ضربها وتدميرها بالكامل لن يستغرق سوى خمس دقائق، فهل إتخذ القرار بهذه الضربة؟ وما هي إنعكاساتها على لبنان؟ 
ما هي مصلحة حركة أمل وتيار المستقبل والوطني الحر والقوات اللبنانية والتقدمي الإشتراكي والكتائب وغيرهم من الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية الرئيسيّة في تدخل حزب الله الأمني والعسكري في أكثر من ساحة عربيّة؟ 
من البديهي أن لا مصلحة لأحد في ذلك ما عدا المصلحة التي يجدها ويُبررها حزب الله لنفسه، هناك شبه إجماع لبناني على أن قضيّة السلاح تجاوزت الشأن المحلّي ويجري حلها على المستوى الإقليمي، والحال، ماذا لو جاء الحل بشلّ القدرة على إستخدام هذا السلاح من خلال ضربةٍ جوية شاملة وإنتشار ميداني يقطع طرق الإمداد ما بين إيران والعراق وسوريا ولبنان ويدمر القواعد العسكرية لحزب الله في نقاط تواجدها؟ 
إن دخول إسرائيل على خط إستقالة رئيس الحكومة اللبنانية عامل سلبي وتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان حول إستعداد إسرائيل لضرب محور إيران ما هو إلاّ توريط إضافي للبنان وطوق نجاة لحزب الله لطالما تبرّعت به دولة الإحتلال لإنقاض الحزب المُدلّل من مصيره المحتوم. 
هي 5 دقائق إذا، فهل إتخذ القرار؟