زيد سفوك

 كوردستان بين إلحاد الغرب وإيمان الشرق وديمقراطية الآمريكان

استفاد الغرب والقوى العظمى من تجارب مأساة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918 ) والثانية ( 1939 – 1945 ) ، فكان اللجوء لربط القرار السيادي بين مؤسسات معنية ذات خبرة ضمن إدارة الدولة قراراُ صائباً ، الأمر الذي دفعهم بالتوجه الى دول الجوار فيما بعد وإنشاء هيئات دولية كمنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن وغيرها من المؤسسات المعنية .

وبالفعل تجاوزوا قدر الامكان من الحروب ضد بعضهم البعض مع وضع دساتير وقوانين تحفظ لهم الحقوق المشتركة ، الامر الذي زاد من متانة اقتصادهم ورفاهية شعوبهم ، في حين ظل الشرق الاوسط على ذهنية جنون العظمة من خلال استملاك كرسي الرئاسة ، حيث أن الكثير من الرؤساء لهم مطامع لا حدود لها ، فسرعان ما يصبح ذاك الانسان رئيسا او حاكما لدولة ، ليبدأ بالتفرد بالقرار ووضع مصير دولة وشعب بكامله وفق معيار المنطق لديه .

وفي اي ردة فعل شخصية يستطيع جر الدولة بكاملها الى حرب شاملة في سبيل ارضاء نفسه داخلياً للشعور بأنه الرجل الذي لا يستهان به ، وتلك بحد ذاتها كارثة تواجهها دول الشرق الاوسط وواجهتها من قبل ، وتفتيت الاتحاد السوفيتي عام 1991 خير مثال على ذلك حين بادر رئيسها ميخائيل غورباتشوف الى اصدار قرارات مصيرية عسكرية عشوائية امام نظيره الامريكي وفق منظوره الشخصي لتخفيف العجز الاقتصادي للسوفييت ومجابهة خصمه ، ومن ثم اعادة التجربة برؤساء حكموا ايران التي فتحت حرباً خاصة بها من خلال استملاك القرار السيادي للدولة لولاية الفقيه ودفع الطائفة الشيعية لمقاتلة السنة وفق مصالح نظامها الحاكم حتى أصبحت الدولة الأكثر دعماً للارهاب ، ومن ثم العراق وسوريا والدمار الذي نتج عن ديكتاتورية حكامها حتى باتت تلك الدول فريسة سهلة لمطامع الاعداء ، وتهجر شعوبها على ابواب الغرب ، وطبعا الدول الغربية والقوى العظمى وعلى رأسهم آمريكا ليست بدول تسعى للديمقراطية بمجرد أن شعوبها في رخاء وحرية ، فالشعب الكردي الذي دَون التاريخ بصفحاتهِ تاريخهم النضالي ضد الظلم ، وبراءتهم وسعيهم للعيش بالمحبة والسلام على هذه الارض مع الشعوب الأخرى لطالما يتساءل لماذا تلك الدول تدعم دول مبنية على أساس طائفي كإيران ( الشيعية ) والسعودية ( السنية ) وتوابعهم من الدول الاخرى على هذا الاساس ( العراق – سوريا – لبنان – اليمن – ليبيا ) كل هذه الدول اصبحت تُبنى على أساس طائفي ووحدهم شعب عريق تعداده 60 مليون كردي في العالم محرومون من بناء دولة كردية كان جزء منها على وشك الاعلان بقيادة العائلة البرزانية..

وشاهدت شعوب العالم بمجملها كيف خذلت انظمتهم الحاكمة الكرد في اللحظة الحاسمة التي استعدوا فيها لإعلان دولتهم المشروعة والعادلة في اقليم كردستان العراق ، وكانت ايران على راس الحملة العسكرية التي احتلت محافظة كركوك الكردستانية في 16-10-2017 بأشراف قائد فيلق القدس قاسم سليماني ، تلاه ميلان موقف المملكة العربية السعودية من اقليم كردستان والبدء بتسيير اولى رحلات الطيران الى بغداد بعد انقطاع دام 25 عاماُ، وفيما بعد توقيعها عقود هائلة مع حكومة حيدر العبادي ( الطائفية بامتياز إيراني ) ومباركتها لهم بالنصر واصطفافها مع باقي الدول التي نادت بانها مع وحدة العراق رغم الحقيقة المطلقة ان العراق هي ولاية تابعة لطهران ، وفي صمت غربي رهيب رافقه التناسي من قِبل القوى العظمى لما جرى من انتهاك واضح من قِبل ميليشيات الحشد الشعبي التي احرقت منازل المدنيين في كركوك وقامت بتهجير قسري للكرد من المحافظة ، وهنا عودة للمنطق والتمييز بين الإيمان والإلحاد حيث أن كان جميعهم يؤمن بالإله الواحد فأين هم من كلمات الله ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) ان عدم الاعتراف بوجود شعب كردي على ارضه والتناسي عن حقوقه وربطها بقوانين هشة هو الإلحاد بحد ذاته .

ربما يتذرع البعض بإن فصل الدين عن السياسة هو ما يتم تطبيقه على خارطة الشرق الاوسط الجديد ، وتلك شعارات لا أساس لها من الوجود ، فهل يعقل ان لا يتم الاستفادة من التجارب السابقة التي جلبت الحروب والدمار للشعوب ، فالتناقض ما زال متواجداً بقوة على ارض الواقع ، حيث أن السياسة لعبة بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم الانسانية ، في حين الهدف من ممارستها هو إثبات القيم والأخلاق وحقوق الانسان وتخفيف المعاناة عن الشعوب المضطهدة .