يعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"، وقد يعنى الفساد: التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة.
إن قياس الفساد بلغة الارقام ليس أمراً سهلاً طالما أن المشتركين فيه ليسوا متعاونين في هذا الصدد، وقد يصعب إثبات الفساد في الميدان السياسي ولكن يستحيل كذلك نفي وجوده.
المناخ الملائم لنمو الفساد في العراق يبدأ من الأعلى الى الأسفل، ابتداءً من البنى الحكومية المتناحرة فيما بينها كسلطة تنفيذية وسلطة قضائية وسلطة تشريعية، وتركيز السلطة بيد صناع القرار وهم عملياً غير مسؤولين من الشعب، يحدث هذا من خلال تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها لصالح حزب متنفذ ومتجذر بالطائفية والعنصرية حيث يمكنه الفوز بكرسي الحكم من خلال تفسيره الذاتي للقوانين ويتلاعب بمحتوى الدستور حسب مصالحه الخاصة، إضافة الى غياب الديمقراطية الحقيقية أو تفريغها من مضمونها الحقيقي بسبب الجهل الذي يسيطر على المجتمع.
ان انعدام الشفافية في الحكومة (حرية المعلومات) في صنع القرار، واحتقار أو إهمال ومحاربة ممارسات حرية التعبير عن الرأي أو حرية الصحافة والاعلام وحق الحصول على المعلومة، وضعف المساءلة وانعدام الإدارة المالية الملائمة، جميع هذه الامور تساهم بشكل فعال بتوفير اجواء تتناسب مع تطلعات الفاسدين من جهة واضعاف هيبة الدولة من جهة أخرى.
كما ان العجز القانوني يلعب دوراً فاعلاً في تفشي ظاهرة الفساد من خلال ضعف سلطة القانون وانعدام تطبيقه بعدالة، وضعف المهن القانونية وغياب الدور التوعوي لمنظمات المجتمع المدني، وعدم اجراء العملية الانتخابية بصورة صحيحة، والحملات الانتخابية المكلفة حيث يتجاوز الإنفاق فيها المصادر الاعتيادية للتمويل السياسي، وغياب الرقابة الكافية للحد من الرشى.
بعد الانتهاء من الحرب الطاحنة التي شهدها العراق للقضاء على تنظيم داعش الارهابي، أعلنت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي قبل أيام عن انطلاق خطتها لمكافحة الفساد بنحو تدريجي، وفيما أكدت أن النتائج ستظهر قريباً، وأعلنت كذلك عن السعي الجاد للاستعانة بالخبرات الاجنبية لمتابعة الاموال المهربة والوصول إلى المتورطين بسرقتها.
في جلسة خاصة جداً وفي إحدى الدول العربية غير المجاورة للعراق أخبرني مسؤول حكومي رفيع المستوى ان الحكومة العراقية توشك على بدء حملة كبرى جداً ضد الفساد وحيتانه من السياسيين ورجال الأعمال، وتفكر الحكومة جدياً بإنشاء محكمة خاصة لمحاسبة الفاسدين على غرار المحكمة التي تشكلت لمحاكمة أركان نظام البعث، وسيتم احالة ملفات فساد كبيرة متورط فيها ساسة ورجال أعمال بل وحتى رجال دين وجهات سياسية متنفذة.
مشروع محاربة الفساد في العراق بالوقت الحالي أصبح ضرورة ملحة جداً ومهمة ليست بالسهلة اطلاقاً، بل ومن المستحيل ان تكون أسهل من الحرب على تنظيم داعش، خاصة وان العراق يتهيأ في الشهر القادم على عقد مؤتمر دولي للمانحين للمساعدة على إعادة إعمار المدن العراقية التي تدمرت بالحرب على داعش والذي سيعقد بدولة الكويت، الحكومة العراقية أمام اختبار حقيقي لطمأنه الدول المانحة والمستثمرة بأن الأموال التي ستستثمرها في العراق لن تذهب إلى جيوب الفاسدين.
الفساد في العراق أصبح ينخر القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب الرسمية وتشترى، كما ويؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية، وأن محاربة الفساد بكافة أشكاله في العراق تبدأ من محاربة الفساد السياسي ولو لم يكن الفساد السياسي مستفحل لما شاهدنا كل هذا الفساد المالي والاداري، بل لكانت هناك حالات فساد مالي واداري فردية وغير منظمة كما نشاهده الأن، حيث ان الفساد السياسي في العراق هو الام التي يلد منها الفساد الاداري والمالي.