عندما زار رفاعة الطهطاوي في بعثة مصر باريس ، عاد معجباً بالحياة الاجتماعية فيها ، فلم ينتقد الاختلاط الاجتماعي هناك. ولكن آخرين فعلوا ذلك. وحين زار محمد عبده باريس بداية القرن العشرين قال قولته الشهيرة (رأيت إسلاما بلا مسلمين وعدت الى مصر لأرى مسلمين بلا إسلام) وكان النقاب منتشراً في مصر ، حتى خلعته زوجة سعد زغلول وهدى شعراوي في العشرينات ، وحين ظهر أيضا قاسم آمين داعية السفور في العراق العثماني ، في أواخر القرن 19 نشر خير الدين الالوسي كتابه (الإصابة في منع النساء من الكتابة) ولكن رياح التغيير راحت تهب على الدولة العثمانية ومنها في العراق. ففي عشية الحرب العالمية الأولى ، وافق الوالي العثماني في بغداد على فتح أول مدرسة للبنات. وقد اجتمع مجلس الولاية من العراقيين لبحث الموضوع . وتركزت النقاشات حول مكان مبنى المدرسة. فقيل يجب انتبنى بلا شبابيك تطل على الطريق. وقيل يجب ان لا تطل على أية دور. وقيل يجب ان لا تكون في الدور المجاورة أشجار عالية تطل على المدرسة...... الخ. وهنا قال الشاعر الزهاوي عضو المجلس وهو يسخر: ( هذه الشروط لا تطبق الاّ على بناية فوق منارة سوق الغزل). وفي تلك الأيام انشد الزهاوي قصيدته الجريئة: 

مزّقي يا ابنة العراق الحجابا ​وأسفري فالحياة تبغي انقلابا

مزّقيه واحرقيه بلا ريث​​فقد كان حارساً كذابا

وفي بداية قيام العراق الحديث ومع تولي فيصل الأول للعرش، بادر عدد من الشباب لتنفيذ مشروع هو تمثيل مهرجان سوق عكاظ وفيه كانت الشاعرة الخنساء تأتي راكبة جملا وهي تنشد الأشعار ، منافسة الرجال. ووقع خيار الداعين على الصبية الصغيرة صبيحة الشيخ داوود، وكانت دون التاسعة ، وأبوها من أعيان بغداد. وافق الأب والأم ، ولكن بقية الأعيان ورجال الدين هاجوا وذهبوا الى الملك شاكين، ولكنه أيد المشروع ، وفي اليوم المعين ، وحين جاءت صبيحة تنشد الأشعار ، حدث هرج ومرج، وضجة استنكار وصلت أصداؤها حتى النجف، كما يقول جعفر الخليلي. وهناك انقسم الناس ما بين أكثرية ساحقة مستنكرة وقلة ضئيلة موافقة.. مرت الأيام وتطورت الأوضاعلصالح المرأة العراقية ، فبرزت شخصيات رجالية ونسائية جديدة تنادي بالسفور والحقوق السياسية للمرأة .. منهم محمود احمد السيد وحسين الرحال وأمينة الرحال ومصطفى علي، ثم جاءت موجة التنظيمات الديمقراطية العلمانية ، كالحزب الشيوعي ، فمجموعة عبد الفتاح إبراهيم وجماعة الأهالي.. وأصدرت بولين حسون أول مجلة نسائية تنادي بالحقوق السياسية ، شبّت​صبيحة الشيخ داوود لتصبح من رائدات الحركة النسائية . وفي الأربعينات كانت النهضة النسائية الكبيرة ، فبرزت المحاميات ، ومنهن من صارت قاضية ، والأستاذات والطبيبات والمهندسات والشاعرات والقصاصات والفنانات..... الخ... الخ.

وفي 14 تموز كانت الطفرة بوصول الدكتورة الشيوعية نزيهة الدليمي لمنصب الوزارة عام 1959 وكانت أول امرأة عربية وزيرة على النطاق العربي... واصدر قائد الثورة قانوناً رائداً للأحوال الشخصية المدنية، كان بعد قوانين بورقيبة ، في طليعة القوانين العربية في هذا الصدد. وظل القانون معمولاً به، حتى في زمن حكم البعث ، الذي لم يجرؤ على تغييره او إلغائه.

أننا لو تأملنا في مسار الأوضاع العربية والإسلامية في القرن العشرين والقرن الحالي ، لوجدنا ان مكانة المرأة كانت تهبط او تصعد وفقاً لقوة وتراجع دور التزمت والتطرف الاسلاميين، فهما العدوان الأولان للمرأة، وان قوى التزمت والتطرف تنشر الفتاوى والدعايات عن كون المرأة شراً وشيطاناً ، ومخلوقا دونيّاً، وان الرجل قوام على المرأة ، وان خير النساء من لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال .... الخ .... الخ.

وبالعكس ، فكلما قويت الحركة الديمقراطية ، وحقق الشعب مكاسب من الحريات والحقوق على حساب التيارات المتطرفة ، ارتفعت مع ذلك حظوظ الحركة النسائية من نجاحات جديدة.. 

وأخيرا فان هذا الموضوع الهام يتسع لمقالات قادمة ، نتناول فيها أيضاأوضاعنا الراهنة بهذا الخصوص...

فالى هناك.