الكوارث التي تكون من صنع الإنسان هي أكثر وقعاً ودماراً من الكوارث الطبيعية، كونها تحدث فجوة نفسية داخل أجيال متتالية، بل وتشكل عاراً يلازم فئة من البشرية لا يمكن للتاريخ أن يتجاهلها مهما مر الزمن عليها.

بعد 100 عام على تصريح وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 بتأييد بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، جاء اليوم 6 ديسمبر 2017 تصريح وعد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعرف تماماً ان العالم العربي والاسلامي ميؤوس منه ولا يستطيع أن يحرك ساكناً، وإلا كيف يتجرأ على المساس القانوني والسياسي للقدس وانتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي دون أن يكترث لأي اعتبار.

فكرة نقل السفارة الامريكية الى القدس وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل هي فكرة ليست بالجديدة ولم تكن فكرة الرئيس دونالد ترامب، بل هو قرار أصدره الكونغرس الأمريكي عام 1995 وصوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع وأن جميع رؤساء الولايات المتحدة السابقين تحدثوا عن امكانية تطبيق هذه القرار لكنهم عندما سمعوا الى مستشاريهم تأكدوا أنها فكرة غير سديدة ولم تكن سليمة إطلاقاً، لكن ترامب استمع فقط الى صهره "اليهودي" وكبير مستشاريه جاريد كوشنر عراب ترجمة القرار الى تطبيق رسمي على أرض الواقع، بل أن ترامب يريد أن يثبت للعالم أجمع أنه رئيس استثنائي ومختلف عن غيره من خلال فكرة تطبيق نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنفيذاً لوعده الانتخابي الذي يفتخر به دائماً.

المواطن العربي جُل ما يمكن أن يفعلهُ هو وضع صورة قبة الصخرة أحد أجزاء المسجد الأقصى في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ذات الوقت يتوقف العقل البشري للفرد العربي والإسلامي عن توجيه سؤال واضح وصريح وهو لماذا لا يوجد رادع إسلامي أو عربي جماعي موحد سواء كان إعلامياً أو دبلوماسياً بل وحتى عسكرياً تجاه القضية الفلسطينية؟

الفرد العربي والإسلامي يخشى أن يفكر بصوت عالي، ولا يستطيع حتى التفكير مع نفسه لكي لا يصبح مصيره مصير المواطن المقدسي محاصر من جميع الجهات إقليمياً ومتهم بالإرهاب دولياً ولا يعلم متى يحين موعد هدم منزله داخليا.
الدول العربية منقسمة فيما بينها ولا تمتلك أية استراتيجيات تجاه القضايا المصيرية المشتركة مثل القضية الفلسطينية، بل حتى الدول الإسلامية الغير عربية مثل تركيا وإيران اعتمدتا مبدأ المصالح القومية أولاً ومن ثم العد الإسلامية الطائفي الضيق لكلاً منهما بدلاً من المصالح الإسلامية العليا المشتركة، هذا الانقسام الحاد وعدم تحديد الأولويات سواء كانت إسلامية أو قومية أدى الى عدم وحدة القرارات سواء كانت إعلامية أو عسكرية تجاه القضايا المصيرية المشتركة.

"ولم يسجل لنا التاريخ العربي أي صدامات بين العرب واليهود، بل كانت المرأة العربية التي يموت أطفالها صغاراً، تعطي المولود الجديد أسماً يهوديا وتبعث به إلى نساء اليهود ليتربى عندهن، اعتقاداً منها بأن رب اليهود سوف يمنع الموت من الوصول إلى وليدها".

الامل بالشعوب العربية مفقود بسبب حالة التنافر التي تعيشها الدول العربية والبلدان الإقليمية الإسلامية، هذا التنافر والصراع الوجودي "القومي الطائفي الأيدلوجي" يحتم على الفلسطينيون مواصلة نضالهم وحدهم ضد الاحتلال الإسرائيلي لان هذا هو قدرهم اللاهي الذي لا مفر منه.