عندما منحت بريطانيا وعداً لليهود على لسان السياسي البريطاني "آرثر بلفور" بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين كانت بداية للصراع العربي الإسرائيلي، على حساب إرادة وكرامة الشعب الفلسطيني، واليوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يَعِد اليهود وتحت ضغط اللوبي اليهودي (أيباك) والمسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة بجعل القدس عاصمة لإسرائيل «ترامب يتحدّى الشرق والغرب، الحلفاء قبل الخصوم، وغير عابئ بالحقوق ولا بالتاريخ ولا بالجغرافية»، وبذلك يكون قد دفن عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل تحت سابع أرض، وستتزايد الاضطرابات والصراعات في الشرق الأوسط «الشرق أصبح سوقاً يعيش منه الغرب»، وليساهم بذلك بضخ دماء جديدة في عروق مشروع بلفور، الذي كاد أن يتحوّل عبئاً على مموليه. 

دونالد ترامب، رئيس غريب الأطوار، والتصرفات، بتسريحة شعره وبصوته وإلقائه ومشيته، يختلف عن بقية رؤساء أمريكا الأربعة والأربعين، إن فهم شخصيته وطبائعه سيكون مفتاح السر لفهم سياساته التي سيتبعها، رجل أعمال جسور، يحدد أهدافه ويسعى لتحقيقها، ولن يهتم حتى لو قاد العالم لحرب عالمية ثالثة، إلا أن هذه هي مجرد بداية، ولم نصل لحافة هاوية انطلاقة هذه الحرب بعد، يحتل قطر سعودياً، والعراق وسوريا إيرانياً، ويسعى قريباً لتفكيك تركيا، كل هذه الأحداث وهو ما زال في سنته الأولى في الحكم. 

دونالد ترامب، لم يعلن الحرب على العالم، بل العالم أعلنها على نفسه، ففي سوريا رفضت المعارضة والنظام – الشرفاء والنزهاء منهم – التدخل الخارجي، وتحت الطاولات هناك رموز من الطرفين وقعوا الاتفاقات مع الخارج، وبموجب مصالحهما الشخصية وأجنداتهما ومصالح الخارج الاستراتيجية سمحوا التدخل الروسي والأمريكي والإيراني، وآلاف الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي يقودها عملاء الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية، وإعلان ترامب لن يكون له أي ردود فعل عربية عسكرية قوية على مستوى المنطقة، لأنها منشغلة بنفسها، وتواجه تداعيات الصراع والفوضى والحرب، وفي أسوأ الأحوال ستقوم معظم العواصم بالتنديد السياسي والتهديد الإعلامي «الإعلام العربي يطرد صحفييه، بسبب تغريداته وآرائه». 

هذا القرار ليس تكتيكياً، بل قرار أُخذ على البُعد الاستراتيجي، أي ليس نزعة طارئة، بل جاء مع سابق التفكير والتخطيط مع معظم حكّام العرب، فبغداد لن تقدم على أيّ خطوة لأن واشنطن دعمتها ضدّ كوردستان، والرياض وافقت على هذا القرار في تل أبيب مقابل التحالف ضد إيران، وإسرائيل راضية جداً عن دمشق، والقاهرة على علم بالقرار منذ زمن وبَصَمَت عليه، أما صنعاء وطرابلس وتونس ومقديشو وجيبوتي وموروني فهم خارج السرب، الرباط لا يمكنها أن تتخذ موقفاً كونها تنتظر رفع العقوبات الأمريكية عنها، ولا تريد إغضاب واشنطن، والجامعة العربية لا تتفق إلا ضد إرادة شعوبها وحق الشعب الكوردي في الاستقلال. 

دونالد ترامب كان صريحاً جداً وواضحاً جداً قبل انتخابه، وفي خطابات عامة جماهيرية بثت على شاشات الإعلام العالمي، كانت صراحته لا تترك مجالاً للشك أو التأويل في نيته حول القدس وإسرائيل، وكرهه للإسلام والمسلمين والعرب والفلسطينيين وكل ما له علاقة بهم، فلم هذه الغرابة المزعومة من قراره حول القدس؟ إلا أن تصريح ريكس تيلرسون في أن القرار اتخذ بعد المشاورات مع أصدقاء وحلفاء أمريكا «مَن هم أصدقاء وحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط؟» قد أحرج العرب، وكشف للشارع العربي في أن حكّامهم يعلمون بالأمر.

إن القرار الأمريكي الذي وقعه ترامب هو بداية المشروع الصهيوني في تقسيم المسجد الأقصى، ليس زمانياً ولا مكانياً، وربما بهدمه، وإنشاء الهيكل المزعوم مكانه، وخاصة وأن إسرائيل تسعى لجعل القدس لعاصمة يهودية، وبرموز يهودية، وشعب يهودي، فهي ستستغل هذا القرار لفرض معطيات صادمة على الأرض، تتمثل في التخلص من 165 ألف مقدسي دفعة واحدة عبر الجدار، وضم مناطق جديدة إلى القدس عبر الأنفاق مثل مناطق معاليه أدوميم وموشيه أدوميم.

ويبقى أن نسأل: هل سيسحب قاسم سليماني فيلق القدس من سوريا ويتوجّه به للقدس؟ هل يسحب أردوغان قواته من إدلب وعفرين ويتوجّه بها إلى القدس؟ هل سينسحب حسن نصر الله من دمشق وحمص ويوجّه حزب الله نحو القدس؟ هل سيتوقف الحوثيون حربهم ضد بني جلدتهم ويتوجّهوا نحو القدس؟ هل التحالف العربي سيغيّر الوجهة من اليمن إلى إسرائيل؟ هل ستتحرك المطارات الحربية العربية وتستهدف مؤسسات إسرائيل العسكرية وقواعد أمريكا؟

باختصار: هل عند حكّام العرب والمسلمين من حيل لمواجهة هذا العداء السافر، غير الشجب والإنكار والاحتجاج، والذي اعتبروه كارثة تاريخية؟ وهل يدرك الشعب الكوردي والفلسطيني حقيقة أن كوردستان وفلسطين ضحيتا استبداد حكّام العرب ومصالح الغرب؟


كاتب وصحفي كوردي