تُعتبر رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي"، أكثر الزعماء في أوروبا تأييدا لإسرائيل وحماسة لها. ففي خطاب ألقته في شهر ديسمبر من العام الماضي أمام جمعية أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، والتي ينتسب إليها ما يزيد عن 80% من نواب حزب المحافظين وكافة أعضاء الوزارة، أشادت "ماي" بإسرائيل واصفة إياها بـ "البلد الرائع" وبأنها "منارة للتسامح". وفيما يتعلق "بوعدبلفور" قالت "ماي" بأنه واحد من أهم الخطابات التي كتبت في التاريخ، ووعدت بأن تنظم احتفالا بمناسبة ذكراه المئوية، والاحتفال به سنويا فيما بعد. وقد وفت بهذا الوعد ودعت رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لمشاركتها هذه الذكرى التاريخية حسب قولها.

وكان 13,637 مواطنا بريطانيا قد وقعوا على عريضة تطالب الحكومة بالاعتذار عن وعد بلفور، فردت الحكومة التي ترأسها "ماي" عليهم بالبيان التالي: "إن إعلان بلفور بيان تاريخي لا تنوي حكومة صاحبة الجلالة الاعتذار عنه، بل نحن فخورون بالدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل. كان الاعلان قد حرر في عالم يشهد تنافسا بين القوى الإمبريالية، في أوج الحرب العالمية الأولى وفي ساعة أفول شمس الإمبراطورية العثمانية. في مثل هذا السياق، كان تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في الأرض التي ربطتهم بها أواصر تاريخية ودينية قوية هو الإجراء الصائب والأخلاقي، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار ما عانوه لقرون من اضطهاد".

وحيث ان الصهاينة لم يلتزموا بهذا الوعد المشؤوم فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي، ولتبرير ذلك أضاف البيان القول: "لقد وقعت كثير من الأحداث منذ عام 1917م، ونحن ندرك بأنه كان ينبغي على الإعلان أن يطالب بحماية الحقوق السياسية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين، وخاصة فيما يتعلق بحقها في تقرير المصير. إلا أن ما هو مهم الآن هو التطلع إلى الأمام وتوفير الأمن والعدل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء من خلال تحقيق السلام الدائم." للعلم، حين صدر الوعد المشؤوم كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع السكان.

في الجانب الآخر، وخلال مناقشات مجلس الأمن - في جلسته يوم الإثنين من الأسبوع الماضي - القرار الذي تقدمت به مصر حول القدس بعد الإعلان الأميركي عن أنها عاصمة لدولة إسرائيل،صوتت بريطانيا لصالح القرار لأنه يتماشى مع قرارات سابقة صدرت عن مجلس الأمن الدولي بما فيها القرارات (242 و476 و478 و2334) حسب تصريحات المندوب البريطاني "ماثيو رايكروفت" الذي صرح قائلا: يجب تقرير وضع القدس من خلال تسوية عبر التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويجب أن تكون القدس في النهاية عاصمة مشتركة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. وتماشيا مع هذه القرارات ذاتها، نعتبر القدس الشرقية جزءًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الحكومة البريطانية لم تعترف حتى اليوم بدولة فلسطين رغم ان اغلبية المستطلعة آرائهم من البريطانيين تؤيد وتطالب الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين، وموقف الحكومة هو "انه سيتم الاعتراف بدولة فلسطين عندما يكون من مصلحة عملية السلام القيام بذلك"، ما يترك الأمر غير محدد تماما. في الوقت الذي تتباهى فيه رئيسة الوزراء "ماي" بفخر بلادها بالدور الذي لعبته في إقامة دولة إسرائيل على ارض مغصوبة من أصحابها الأصليين، تبخل على الفلسطينيين الاعتراف بدولتهم على ما يعادل 23% فقط من ارضهم التاريخية.

اما زعمها ان اليهود عانوا من الاضطهاد لقرون، فهذا الاضطهاد حدث لليهود في الدول الأوروبية لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية مرتبطة بسلوك اليهود أنفسهم وجشعهم، ونظرتهم الدونية للأخرين، وترسيخهم فكرة انهم شعب الله المختار. اما اليهود الذين عاشوا في الوطن العربي لقرون طويلة لم يعانوا من الاضطهاد، وكانوا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة التي يتمتع بها اتباع الديانات الاخرى. نعم، تعرض البعض منهم للاضطهاد لفترة قصيرة كرد فعل (من بعض الغوغاء) عندما تم تهجير أكثر من 760 ألف فلسطيني، وتدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية عام 1949م، وحدث الشيءنفسه بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967م. اللوم يقع على انظمة الحكم وقتها، حيث كان من المفروض ان توفر تلك الأنظمة الحماية اللازمة لهؤلاء المواطنين الذين لا ذنب لهم. (قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى).