في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي كنت طالبا على مقاعد الدراسة في كلية طب جراح باشا في استانبول .

احسان اونلوار كان الاستاذ المحبوب لدى معظم الطلاب في تلك الكلية . الاستاذ احسان كان طبيبا في مجال امراض النساء وعضو في هيئة التدريس . كانت لديه مواهب متعددة . بارع في رسم الكاريكاتير ورسام وكاتب مقالات في الصحافة ولكن ابرز موهبة لديه انه كان مغني اوبرا يحفظ كل الميتولوجيا اليونانيةوكان يلقيه على الطلاب بشكل مسرحي شيق كلما سنحت له الفرصة . الا ان اهم ما كان يقربه من الطلاب في الكلية كان روح الدعابة والفكاهة الراقية لديه مع قدرة فائقة في الحديث وفن الالقاء الجذاب .

كل زملائه ارتقوا في الدرجات العلمية ووصلوا الى درجة البروفيسور مع مرور الزمن الا هو حيث بقي يراوح في مكانه في مرتبة المعيد . من اين له الوقت كي يتطور في مجال الطب وهو منغمس حتى اذينيه في ممارسة مواهبه الخلاقة .

في احدى مقالاته كتب الاستاذ احسان في مجال عجز الطب فيمعرفة الاسباب التي تقف وراء ظهور الامراض ولكن باسلوبه الساخر الساحر .

في الحقيقة حتى الآن لا يزال علم الطب يعاني من هذه المشكلة وهي ان الكثير من الامراض لا نعرف اسبابها . نستطيع معرفة المرض ونشخصه ونعالجه ولكن لا نعرف العامل المسبب . للتبسيط فان اكثر من تسعين بالمئة من اسباب ارتفاع ضغط الدم لا تزالمجهولة والطب يعالج هذا المرض بالادوية التي تنظم الضغط ولكنمدى الحياة ولا يستطيع تقديم الشفاء . كذلك مرض السكري الاسباب لا زالت مجهولة في معظمها لا شفاء منه والمعالجة هو مدى الحياة ايضا .

كتب الاستاذ احسان مقالا في هذا المجال عن اسباب العطس باسلوبه الفكاهي . قال ان السبب في نوبات العطس الشديد قد يكون بسبب ارتفاع مادة العطسين ــ طبعا مادة غير موجودة وهيمن اختراع الاستاذ احسان ــ في الدم التي تسبب العطس او ان لدى المريض قصور في انتاج انزيم ــ خميرة ــ عطسيناز الذي يفتت مادة العطسين وبالتلي ترتفع مادة العطسين في الدم التي تزيد من نوبات العطس او ان السبب ايديوباتيك اي مجهول على غرار الاسلوب المتبع في الطب في شرح اسباب الكثير منالامراض . 

هكذا وعلى طريقة الاستاذ احسان يمكن تفسير الشخير عند النوم بانه يعود الى الزيادة في مقدار مادة الشخرين في الدم او عدم تمكن الجسم من افراز المقدار الكافي من انزيم ــ خميرة ــالشخريناز الذي يفتت مادة الشخرين التي تزداد في الدم و او انه ايديوباتيك اي ان الشخير هو مجهول السبب . 

تذكرت الاستاذ احسان ومقاله عند محاولتي معرفة السبب في رفض المعارضات السورية المقترح الروسي لمسودة دستور لسوريا . المعارضات لم تكتف فقط في رفض الاقترح بل ترفض حتى مجرد النقاش في اية محاولة لوضع مسودة دستور لسوريا قبل اسقاط النظام او الوصول الى حل سلمي .

ان ترفض اقتراحا او مقترحات في اي موضوع فهو امر جد طبيعي او ان ترفض الجلوس مع اشخاص او جهات معينة ايضا حق طبيعي ولكن ان ترفض نقاشا حول موضوع ما فهو امر عجيب غريب . 

المقترح الروسي للدستور يمكن رفضه او تعديله او تطويره ...الخ فهو في النهاية مجرد مسودة دستور ليس الا .

في الواقع ان الرفض لمجرد مناقشة اي موضوع وهنا موضوع الدستور هو امر يبعث على الدهشة حقا ولا يمكن معرفةالسبب الا باسلوب الاستاذ احسان وهو انه قد يعود الى النقص في مادة الدستورين في الدم عند هؤلاء والتي تساعد الشخص على تقبل المناقشة او ان السبب قد يكون ان الجسم يفرز المزيد من انزيم دستوريناز الذي يقضي على مادة الدستورين في الدموبالتالي القضاء على كل امكانية لقبول النقاش ولكن لا اظن ان السبب هو ايديوباتيك اي مجهول .

السبب هو ان الرافضين يتهيأون للانقضاض على السلطة وفرض دستور على مقاساتهم لفرض ايديولوجيتهم بمجرد سقوط النظام . هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية وهم يمارسون التقية الباطنية بالرغم من عدائهم التاريخي لكل المذاهب الباطنية .

اذا كان الادعاء في رفض مناقشة المشروع الروسي للدستور هو انه كتب من قبل الاجنبي فانه امر يدعو الى الشفقة .

المعارضات تقيم في فنادق الاجانب وتتلقى الروتب منهم والمعارضون حصلوا على اقامات ومواطنات اوروبية ــ امريكية لهم ولاسرهم ومقاعد في الجامعات لابنائهم ......هذا كله ليس اجنبي ولكن مجرد مناقشة مسودة دستور قابل للرفض والتعديل والشطب دخل في خانة الخيانة العظمى لان كاتبه اجنبي .

كم هو مسكين الشعب السوري ..... 

ليس هناك معارض واحد من الاتلاف او هيئة المفاوضات يقيم مع اللاجئين السوريين في مخيماتهم .....الضحايا كلهم من الفقراء .....

ادناه تجدون روابط لثلاثة مقالات كنت قد نشرتها في شباط 2013 وفيه بعض الافكار المتعلقة بالدساتير بشكل عام.