لكي لا نبتعد كثيرا عن شرقنا البائس ونتوهم بأن اليابانيين والكوريين ومعظم الجنس الأصفر يقع تحت تصنيفنا الجغرافي، علينا أن نؤكد إن بحثنا هنا لا يتجاوز حدودنا البائسة التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو، وبموجبها رسمت خارطة الشرق الأوسط، مضافا إليها بعض الأنظمة والبرلمانات ومجالس الشورى التي تتشابه حد التطابق في السلوك والمنهج، وتعبر خير تعبير عن بؤس هذه المجتمعات، التي لم تجد لحد اليوم مفهوما يوحدها بالانتماء إلى وطن جغرافي ومجموعة بشرية تنتمي لذلك الوطن، فلقد شهدنا جميعا تلك البرلمانات ( الاتحاد الاشتراكي المصري ومجلس الشعب السوري والمجلس الوطني العراقي واللجان الشعبية الليبية وما هو على شاكلتها في الجزائر وتونس واليمن والسودان وإيران وغيرها )، التي تم صنعها في دهاليز أجهزة مخابرات الأنظمة وأحزابها القائدة، وأصبحت واجهات كاريكاتيرية لما يسمى دستوريا بالبرلمان، ونتذكر جيدا تلك المسارح التي كان يمثل فوقها ( فرسان الأمة وقادتها ) وأحزابهم التي تفوز دوما بالأغلبية الساحقة ( 99.99 ) والتي عدلت فيما بعد، لكي تتحول إلى كتل برلمانية وأحزاب على شاكلة ما هو موجود في عراق الديمقراطية العرجاء، حيث استبدلت توصيات الحزب القائد والقائد الضرورة بفتاوى رجال الدين ومباركة شيوخ العشائر، الذين تم إدخالهم سيرك السياسة والعسكر لتخريب ما تبقى من أي أمل في بناء دولة عصرية متحضرة.

وبدلا من ترشيح الحزب القائد أو القائد الضرورة لأعضاء مسرحهم النيابي كما كان يحصل سابقا، فقد أخذت المؤسسة الدينية والعشائرية ومن خلال اذرعها وكياناتها السياسية على عاتقها تسمية أعضاء لمسرح السيرك السياسي، الذي نشهد مسرحياته المقرفة منذ أكثر من عشر سنوات في العراق وغيره من بلدان الربيع المضحك، كنموذج وصورة تعكس حقيقة هذه المجتمعات سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، مع استثناء القلة القليلة التي لا تخضع للقياسات العامة ممن توهموا إن الانتخابات نزيهة أو أنها ستنتج مؤسسة تشريعية قادرة على بناء دولة عصرية ومجتمع متحضر، حيث نشهد اليوم وبعد أداء ثلاث دورات برلمانية عراقية وما رافقها من إنتاج حكومات وما يفترض من قوانين وتشريعات، أسوء ما أنتجه العراقيون منذ تأسيس كيانهم السياسي كدولة وفي كل مناحي الحياة، والأكثر سوءاً هو هذا البرلمان وحكوماته وسلطته القضائية وما يتفرع منهم من سلطات أدنى، بما في ذلك مجالس المحافظات وحكوماتها المحلية، وبقراءة سريعة أو استقصاء بسيط لنماذج عشوائية من أهالي القرى والبلدات والمدن، وصولا إلى العاصمة حول أهلية غالبية المرشحين الذين تم تصعيدهم أو اعتمادهم في قيادات هذه البلاد المنكوبة، سنكتشف حقيقة وأسباب تقهقر بلادنا وانتكاستها المريعة، حتى أصبحت واحدة من أفشل دول العالم.

إن دولة أو نظاما يقوده المتخلفون من شيوخ العشائر ورجال الدين بانتماءات وولاءات دينية ومذهبية وعشائرية، لن يجمعوا حولهم إلا مجاميعاً من المنافقين واللصوص والمرتزقة والانتهازيين، ولن يشيدوا دولة أو نظاما سياسيا واجتماعيا، إلا بهذا النموذج الذي نراه في العراق واليمن وسوريا وليبيا ومن شابههم، حيث الفشل والفساد والتقهقر إلى الهاوية، مما يستدعي تغييرا جذريا في طبيعة النظم المعتمدة ووسائلها وعناصر تنفيذ برامجها، وفي مقدمتها إصدار تشريعات تحظر أي نشاط سياسي أو نفوذ قانوني لشيوخ العشائر ورجال الدين والمؤسسات التابعة لهم، بما يمنعهم من أي تدخل في العملية السياسية وممارساتها الانتخابية والإعلامية.

ويبقى السؤال الأكثر جدلية بعد ثلاث دورات برلمانية في ظل هكذا تراكم هائل من التقاليد والثقافة الاجتماعية القبلية والدينية، وغياب أي مفهوم للمواطنة الجامعة، هو هل سننجح كشعب في إنتاج مؤسسة تشريعية وتنفيذية وقضائية خارج تلك الثقافة السائدة في الانتخابات القادمة؟

[email protected]