الدليل على ان سوريا تسير نحو مستقبل مظلم هو هذا الرد الفعل من المعارضات والذي يرفض حتى مجرد النقاش في وضع مسودة دستور لسوريا المستقبل .

الرفض الفوري والقاطع لمناقشة اي موضوع ما هو الا دليل على ان هناك نيات مبيتة او انه اشارة واضحة الى التخلف الذي لايزال يعشعش في الادمغة بالرغم من النكبات التي حلت بالسوريين .

الضجة حول الدستور انفجرت بعد ان جاء الروس بمقترح مسودة دستور قبل شهر تقريبا .

الوصول الى صياغة دستور لاي بلد كان يمر عادة من خلال مجلس تأسيسي يتم تشكيله بالتعيين او بالانتخاب وذلك بعد استقلال البلد او بعد انقلاب عسكري او ان يكون الوطن قدتعرض لتغييرات جذرية كالاتحاد مع او الانفصال عن دولة اخرى مثل ما حدث مع سوريا في الاتحاد والانفصال مع مصراودساتير دول يوغوسلافيا السابقة .

القصد من الجمعية التأسيسة لوضع الدستور هو فتح المجال امام كل قطاعات الشعب للمشاركة فيه. فخلال مناقشة مواد الدستور في الجمعية التأسيسية والتي قد تصل الى سنة او اكثر يتم يوميا اشتراك الجماهير والجامعات والنقابات والاحزاب السياسية ووو...عن طريق نشر ما جرى في المجلس من نقاشات في الصحافة والاعلام وخاصة البرامج الحوارية على الشاشاتوندوات على كل الاصعدة وعلى سطح الوطن بالكامل حيث تأتي الاقتراحات والاعتراضات من كل حدب وصوب يتم فيه بالنهاية صياغة الدستور الذي يكون حينها جاهزا للاستفتاء . 

علينا ان لا ننسى انه لا يمكن اجراء استفتاء على كل مادة على حدة وانما الاستفتاء يكون على كامل الدستور ولمرة واحدة .

الظرف الحالي في سوريا لا يسمح بتشكيل مجلس او جمعية تأسيسية ولكن هذا لا يمنع من ان يدلي السوريون كل حسب ماتسمح به ظروفه ليعرض اراءه والبدء بالمناقشة والحوار بكل الوسائل المتاحة في عصر الانترنيت والموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها .

البديل عن المجلس التأسيسي حاليا هو وجود هذه الفرصة الذهبية الآن وذلك بالاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة والامكانيات التي تتمتع بها المعارضة في الخارج من اجواء حرةوحياة مرفهة . في السابق كانت الصحافة المكتوبة واجهزة الراديوفقط .

الذين يتهربون حتى من مجرد النقاش حول مسودة الدستور هم الذين ليست لديهم الجرأة والشجاعة للافصاح عن آرائهم ومقترحاتهم واهدافهم امام الشعب او ان لديهم نيات مبيتة للف والدوران بمجرد الوصول الى كرسي السلطة وفرض دساتيرعلى قياساتهم وانتماءاتهم .

البعض يرفض بحجة ان مسودة الدستور تأتي من الاجنبي .وماذا في ذلك ؟ فمسودة الدستور في النهاية هو عبارة عن حروف وجمل وورق يمكن حذفه والشطب عليه وتمزيقه وفي نفس الوقت يمكن الحفاظ على الجيد والمناسب منه . اين دور الاجنبي هنا ؟هل يمكن فرض شيء يحق لك ان تمزقه وتحرقه ؟ .

مسودة الدستور اطهر بكثير من الدولارات واليورو والروبلات التي يقبضها المعارضون من الاجنبي وخاصة من دول اصدقاء سوريافي كفاحهم المستميت ضد النظام !!

في دستور تركيا لعام 1961 الذي جاء بعد الانقلاب العسكري شارك في كتابته بعض مشاهير الحقوقيين من اوروبا ــ يعني الاجنبي ــ وقد جيء بهم الى تركيا خصيصا ليكونوا عونا لاعضاء المجلس التأسيسي لصياغة الدستور . حصل هؤلاء الخبراء على مبالغ ضخمة مقابل خدماتهم تلك .

لازال الجميع في تركيا يعترفون بان ذلك الدستور ــ دستور 1961 ــ كان الافضل من بين كل الدساتير السابقة بدءأ من دستور عام 1921 . دستور 1961 كان قريبا جدا من الدساتير الاوروبية لاسيما في مجال حرية الفرد والصحافة وحقوق النقابات والجامعات الحرة وغيرها . انقلاب 1980 الغى دستور 1961 والعسكر والفاشيون كانوا يقولون دائما ان ذلك الدستور كان يمنح الحريات اكثر من اللازم وانه فضفاض على الجماهير .

يعني ان تركيا التي يقيم فيها معظم المعارضين و الرافضين جاءتبالاجنبي واستعانت به في صياغة دساتيره حتى تقدم افضل دستور لشعبه ويمكنهم التأكد من هذا وهم يقيمون في تركيا .

الا يبدو هنا ان حجة الاجنبي ماهي الا ذريعة لخداع الشعب السوري ؟

من هنا يخشى المرء من مستقبل مظلم لسوريا لان ذهنية النفاق والتحايل والمزاودة لا زالت هي السائدة في الادمغة والخلاقوالاطباع .

انا هنا لا ادافع عن المسودة التي جاء بها الروس ولكن يجب الترحيب بكل مشروع مسودة ومن اي طرف كان دونما تحديدبهدف المناقشة والحوار وتبادل الآراء والاخذ بالمناسب منه ليس الا.

ليس من المستغرب ان يصدر المعارضون لمناقشة مسودات الدساتير فرمانات تمنع السوررين من قراءة او مشاهدة او لمسالدساتير الاجنبية !! . اليس كلمة الديمقراطية كلمة اجنبية ؟ هليجب رفض هذه الكلمة في دستور المستقبل لانها اجنبية ؟ .

يجب ان نعلم جيدا ان اصحاب هذه الآراء العجيبة لن يسمحوا في المستقبل بحرية الكلمة والصحافة والرأي بتاتا في سوريا المستقبل .

المستقبل السوري المظلم يظهر جليا من خلال هذا التجانس والتطابق الكامل بين النظام والمعارضة في هذا الرفض القاطعوعلى عدم تقديم اية مشاريع لدستور المستقبل .

بدلا من الرفض يجب افساح المجال لكل فرد او جماعة او حزب او دولة او صحافة او مركز ابحاث بما فيها الاجنبية لتقديم الآراء والافكار ومسودات دستور ليستفيد منه السوريون حيث يمكن القاء السيء منه في سلة المهملات بعد تمزيقه والاخذ بالجيد والمناسب منه للاستمرار في تحسينه وتشذيبه .

لقد تأخرت المعارضة والسوريون عامة كثيرا في العمل على اعداد مسودات او مشاريع دساتير وضاعت كل هذه السنوات هباء بسبب الترصد وانتهاز الفرصة لاحقا . 

لماذا لا تطلب المعارضة من النظام ايضا بأن يتقدم بمشروعه ،على الاقل سوف نعرف نياته وخططه ؟

بداية يمكن الوصول الى الاخذ بكل المواد التوافقية وقد تصل الى سبعين او ثمانين بالمئة من بنود الدستور .

اما المواد الخلافية مثل موضوع دين الدولة وهويتها و اللامركزية والفيدرالية والعلمانية يمكن البث فيها مدة اطول نسبيا ولكن دون الانتظار حتى الوصول الى الحل السلمي او سقوط النظام . بل على كل طرف سياسي ان يبدي وجهة نظره وطرح مقترحاته امام الشعب دون خوف او لف ودوران والظهور على حقيقته امام شعبه.

لماذا هذا الهلع من الافصاح عن ما يؤمن به الانسان ؟ كيف يمكن ان يخفي الانسان آراءه ومبا دئه عن شعبه ؟

حتى الدستور الدائم يمكن تغييره وتعديله وهذا ما نشهده الآن في تركيا حيث يتم تعديل الدستور ليناسب النظام الرئاسي بدلا من البرلماني المعمول به حاليا وسيتم الاستفتاء عليه في 16 نيسان القادم .

اذا لماذا هذا الهلع من مسودة دستور لا يمكن الاخذ به الا بعد الاستفتاء عليه ؟ امر يبعث فعلا على الدهشة والاستغراب ؟

الافضل هو العمل على تطوير الدستور السوري العائد لعام 1954 وتغييره حتى يلبي طموحات واماني كل الاطياف السورية .

قد اعود لموضوع الدستور ولكن من زاوية اخرى .

 

 

كاتب كردي

[email protected]