هل تريدون أن تصبحوا أثرياء؟! 

من حقكم أن تطمحوا لما تريدون، لكن لا تنتظروا أن أقدم لكم وصفة لتحقيق مرادكم .. ففاقد الشيء لا يعطيه !!

مع ذلك لاحظتُ قاسما مشتركا بين كل الأثرياء يمكن الاقتداء به، وهو أن نفقات هؤلاء الأغنياء تقل كثيرا عن إيراداتهم التي يحققونها .

هذه هي المعلومة البسيطة التي تقسم الناس إلى أغنياء وفقراء، فمن يكسب مليون دولار يوميا لكنه يستهلك مليونا ومائة ألف دولار في اليوم لا يمكن تصنيفه بين الأثرياء، في حين أن المثال العكسي يمكن أن يحجز مقعدا لصاحبه بين الأثرياء .

الحالة نفسها، للمفارقة، تنطبق على الدول، فالدول تشبه الناس في تعاملاتها، حتى لتكاد تصبح صورة مكبرة من الأفراد، وهذا ما جعل القوانين الدولية تتأثر بمواد القوانين الإقليمية التي تحكم الأفراد في الحقوق والواجبات بل وفي الأفعال الجنائية .. كحق الدفاع عن النفس وحق المعاملة بالمثل وحق رد الخطر الوشيك بضربة استباقية .. وهذا ـ الأخير ـ ما استفادت منه إسرائيل في حرب 1967 فكسبت الحرب .. وكسبت التعاطف الدولي القانوني جراء عدوانها الكبير .

الدول الغنية هي الدول القادرة على تحقيق إنفاق جيد على شؤونها يقل عن إيرادتها الفعلية أو لا يتجاوزها، وكلما ارتفعت تقديرات الإنفاق عن تقديرات الإيرادات المتوقعة في الدولة .. أمكننا الحكم على موقعها بين تصنيفات الفقراء وتدرجاتهم .

وفي ريفنا السوداني، ولعله شبيه بأرياف المنطقة المحيطة، تتفاوت منتجات صغار المزارعين عن بعضهم البعض، فهناك من يزرع في الموسم البطاطس، وهناك من يزرع البامية، ومنهم من يزرع الملوخية، ولكنهم يتمتعون بقدر من الاكتفاء في بيوتهم بكل هذه المنتجات، والسبب أن زارع البطاطس لا ينسى أن يكون لجاره نصيب من بطاطسه، وزارع الملوخية يحرص على مد جاره زارع البطاطس بقدر من الملوخية، وهكذا يتكامل الجيران فيما بينهم، ويعيشون مطمئنين على عيشهم، متوازنين في إيراداتهم بلا من أو أذى .

والدول مثل المجتمعات البشرية، لا يمكن أن تعمل الدولة الواحدة بمعزل عن الأخريات، إذ ثمة انسجام مطلوب ليحدث التناغم الجماعي، ويحدث التوازن الذاتي داخل الدولة .

والفكرة التكاملية في الشرق الأوسط وما جاورها قديمة، لكنها للأسف لم تر النور بشكل عملي، والسبب الأكبر ظل كامنا في تجاذبات السياسة، والخطاب العاطفي الأناني لكل قطر، والمزايدات الشعبية التي تبناها البعض فأشاعت الكراهية، لدرجة جعلت الجميع وكأنهم يسعون لحتفهم وهم لا يشعرون !!

أكبر أخطاء الفكر التكاملي أنه قام على (العنصر) العربي، ففي أيام الهيجان بالقومية العربية، انغلق الخطاب على إمكانية الاستغناء عن الآخرين بتكامل عربي محض، يجعل العرب في حالة استغناء عن الآخر، تمهيدا لصراع قادم مع هذا الآخر سيأتي حتما في مقبل الأيام !!

غابت للأسف فكرة التكامل الإقليمي وفقا للجغرافيا، وهي الفكرة الأكثر واقعية والأنضج ثمارا، فانعزلت إفريقيا عن التكامل مع المنطقة العربية المجاورة، وانعزل أعاجم آسيا عن عربهم رغم السفينة الواحدة، بل، ربما، أسهم هذا التفكير في حفر فجوات بين المكونات العربية وغيرها في الدولة الواحدة، ولعل هذا ما ترك أثره اللاحق على الواقع الأليم الذي لا يخفى على عين راصد .

إن أي دولة، مهما كانت، لن تستطيع أن تكون غنية بمعزل عن محيطها، ولذلك يجد المجتمع الدولي كياناته مربوطة بوثاق لا فكاك منه، فالأجندة السياسية، وإرث الماضي الأليم من صراعات ودماء وآلام، والتشبث الأرعن بحقوق صغيرة تضيع معها مكاسب كبيرة .. كلها مؤثرات يتوجب عبورها بشجاعة ووعي، لتتجاوز المنطقة كلها الفقر ومخاطره، حتى لو ساد الوهم بأن الفقر يستثني .. وغابت القناعة بأن الدنيا دولاب .

هكذا نستطيع بناء إقليم غني ومرفّه، أو نتجاوز ـ بالحد الأدنى ـ مهلكة الفقر .. فلا ننزلق في هاوية تمحقنا، ولا تجرفنا جرافات الحاجة والعوز .

هل ما زلتم هائمين بالثراء ؟!

لا لوم عليكم، لكنني لا أملك وصفة قاطعة، فقط اجعلوا نفقاتكم أقل من إيراداتكم، وتكاملوا مع الآخرين فيما ينقصكم .. وانتظروا بعض الحظ .. فهو صاحب كلمة تستحق الاهتمام وتستوجب الاحترام بلا أدنى شك !

 

[email protected]