حكاية المرشحين العرب لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم المعروفة اختصارا " اليونسكو" في الماضي لا تختلف كثيرا عن الحاضر ، في السابق لم يحالف أي مرشح عربي النجاح ، وهكذا الأمر اليوم ، فالغرب لم يتحمس لأي مرشح عربي، لما لا ؟ وهذه المنظمة كانت ولا تزال مسرحا للصراع بين الدول المؤيدة لإسرائيل والمناوئة لها في قضية الحفاظ على التراث الحضاري في القدس التي يتعرض للتهويد منذ سنوات لطمس معالم التراث العربي الاسلامي والمسيحي الشاهد على عروبة هذه المدينة المقدسة أرض المحشر والمنشر.
كلنا يذكر كيف سارعت الولايات المتحدة بالانسحاب من اليونسكو ووقفت تمويلها حين تجرأت ودانت الأفعال الإسرائيلية تضامنا مع المحتل الغاصب لاراض عربية وتحديا للشرعية والأعراف الدولية .
احكي هذا الكلام ونحن على أبواب شهر إبريل حيث يتم اختيار مدير عام لمنظمة اليونسكو خلفا للبلغارية " إيرينا بوكوفا" ، مصر رشحت السفيرة " مشيرة خطاب" ، وكان هناك شبه توافق على أنها الأجدر بهذا المنصب، حتى فوجئنا بترشيح باريس لوزيرة الثقافة الفرنسية " أودري أزولاي" وهي يهودية من أصل مغربي رغم أن فرنسا دولة المقر، وجرى العرف على أن الدولة التي تستضيف المنظمة لا ترشح أحد من مواطنيها ربما الاستثناء الوحيد حصل عام 1961 حين رأس المنظمة الفيلسوف الفرنسي "رينيه ماهو" .
تناوب على رئاسة المنظمة شخصيات من اليابان كويشيرو ماتسورا من عام 1999 -2009 ، ومن أسبانيا فيديريكو ماير 1987-1999 ، ومن السنغال أحمد مختار أمبو من 1974-1987 ، ومن فرنسا رينيه ماهيو من 1961-1974، ومن إيطاليا فيتوريو فيرنزي 1958-1961، ومن أمريكا لوثر إيفانز من 1953-1958 ، ومن المكسيك خايمي توريس بوديت من 1948-1952، ومن المملكة جوليان هكسلي من 1946-1948. 
وهذه الشخصيات تمثل ثقافات وحضارات مختلفة، أين دور الحضارة العربية والعلماء العرب الذين علموا أوروبا في عصور الظلمات قبل أن يغطوا في سبات عميق؟ للأسف العرب فلم يتفقوا على مرشح واحد يدفعوا به إلى المنصب الرفيع، ونجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في كل مرة يترشح فيها عربي من حشد الدول ضده ، حدث ذلك عام 2009 حين ترشح وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني، اليوم هناك أكثر من مرشح عربي من العراق ولبنان وقطر فضلا عن مصر، وهذا يضغف فرصة وصول مرشح عربي للمنصب.
ناهيك عن ترشيح فرنسا لأزولاي في مواجهة المرشحة المصرية ، فهي أيضا امرأة ومن أصول عربية ولها باع في الثقافة والتعامل مع المنظمات الدولية، المرشحة المصرية السفيرة "مشيرة خطاب" تقدمت للمنصب منذ شهور عدة ، وزارت بجولة في الدول الأعضاء بالمنظمة، وحصلت على تأييد تكتلات إقليمية ودولية، أما المرشحة الفرنسية فقدمت أوراقها قبل إغلاق باب الترشيح بدعم من قصر الإليزيه.
ولم يراعي الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" علاقات الصداقة التي تربطه بمصر، ولم يشأ أن يترك ذكرى طيبة قبل أيامه الأخيرة في قصر الإليزية ، وتسألت الصحف الفرنسية عن هذا الترشيح المفاجيء على غير ما جرى العرف من أن وزارة الخارجية هي من ترشح وليس قصر الإليزية.
فرص "مشيرة خطاب" قد تضعف بعض الشيء لكن الأمال كبيرة ، فهي تأتي من مصر بلد ذات ثقل حضاري وثقافي ، بلد يحارب الإرهاب نيابة عن العالم ، بلد يسعى لنشر ثقفة التسامح والحب والإخاء بين شعوب العالم ، وعلى أية حال "مشيرة خطاب" ليست المرشحة العربية الأولي ولن تكون الأخيرة ، فمن سبقها في الترشح تم التصدي لهم ومن بينهم فاروق حسني ، وإسماعيل سراج الدين من مصر، وغازي القصيبي من السعودية، وعزيزة بناني من المغرب، وهناك نية مبيتة علي عدم وصولهم إلي منصب مدير عام اليونسكو، لكن يبقى الأمل في صحوة ضمير ، وأقل ما يمكن فعله الآن أن يتفق العرب علي مرشح واحد لكسب أصوات الكتلة العربية وبقية الأعضاء الـ 58 الذين سينتخبون المدير العام الجديد.