منذ أن أذيعت تداعيات الحادث الإرهابي الذي وقع في محيط مبني مجلس العموم البريطاني بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي ( 22 مارس ) بكل السبل واللغات، لم تتوقف وسائل الإعلام المحلية والأوربية علي مدار الساعة عن التعليق والتعقيب والتحليل والتأريخ وفتح الدائرة علي اتساعها لتحقيق هدفين اساسيين.. معرفة اسباب الحادث وما اذا كان فرديا او جماعياً؟ وهل هو مخطط له من جانب اي تنظيم إرهابي أم جاء عشوائياً؟ و الغوص من جديد لأيجاد اجابات شافية للسؤال الذي يستفهم عن.. لماذ يتحول بعض معتنقي الاسلام إلي التطرف؟؟..

بالنسبة للهدف الأول يمكن الإشارة إلي ثلاثة أمور..

الأول.. إعلان شرطة لندن أن مسعود مات وسره معه، الأمر الذي اسقط نهائيا مساحة ما كان يمكن إستنباطه فيما لو بقي الارهابي علي قيد الحياة وتم استجوابه.. ويؤكد ان من قبض عليهم فور وقوع الحادث في لندن وخارجها لم يدلوا بما يوفر معلومات كافية في هذا الخصوص..

الثاني.. أن الأجهزة الأمنية لم تُعر إعلان تنظيم داعش الارهابي أنه – أي مسعود – كان اأد رجاله وانه خطط له لكي يقوم بهذا الهجوم الدموي، أي إهتمام ورأي غالبية المحللين أن التنظيم تصيد الحدث الإجرامي لكي يجذب إليه بعض الضوء الذي إنحسر عنه في الآونة الأخيرة، ولإستقطاب عناصر جديدة لتعويض النقص الشديد بين صفوف متطرفيه..

الثالث.. فتحت الرسائل الإلكترونية التى بعث بها مسعود عن طريق تطبيقات " وتساب " قبل تنفيذه الهجوم بدقيقتين الباب علي ضرورة إنصياع الشركات المشغلة لمثل هذه البرامج لمطالب الأمن القومي ومن ثم عليها ان تستجيب لدواعي " حق أجهزة التحقيق في الإطلاع علي الرسائل المُشفرة ذات الصلة بالقضية التى يجري التحقيق فيها "..

هذه الأمور الثلاث فتحت الباب لجدل واسع وعميق علي كافة المستويات حول واقعة الإرهاب وما لحق بها من تداعيات ومناقشات سياسية ومجتمعية، أزعم أنه سيتواصل لفترة قادمة..

علي العكس من ذلك تناولت جميع الاطراف الهدف الثاني بإستفسار سقول.. هل معتنقي الإسلام حديثاً أكثر عرضة للتحول إلي التطرف، ممن أمنوا به منذ فترة أطول؟؟ خاصة وأن النسبة الأكبر منهم ولدوا وتعلموا وتربوا بين جنبات المجتمع البريطاني و الأوربي تشربوا ثقافته الليبرالية متعددة التوجهات !! وعاشوا في ظل مجتمع يٌطبق القانون ويٌعطي كل ذي حق حقه بلا محسوبية أو وساطة؟؟..

تقول العديد من الدراسات أن البعض ممن قاموا بهذه العمليات أمضوا فترات مختلفة بالسجون البريطانية حيث وقعوا داخل تأثير العقلية الإجرامية لبعض قيادات التنظيمات المتطرفة.. وان البعض الآخر منهم جذبته " قضية الجهاد في سبيل الله

" فتوجه إلي ساحة القتال " ضد اعداء الدين " في العراق وسورية، ولما عاد إلي وطنه الأصلي، واصل تطبيق ما " لقنوه إياه " من أفكار جهادية شديدة التطرف ضد نظم الحكم الأوربية التى " أصبح " يؤمن أنها السبب في تخلف المسلمين وأنها هي التى تشعل نار الحرب فيما بينهم لتمنع قيام الخلافة الإسلامية..

وتشير تحليلات أخري أن العمليات الإرهابية التى يقوم بها أفراد ممن يطلق عليهم تسمية " الذئاب المُنفردة " سواء في شكل إستخدام سيارات النقل او الخاصة في دهس الأبرياء، أو في شكل طعن لشرطي أو محاولة نزع سلاحه، تحولت عند البعض من حديثي الإسلام إلي " نماذج " تحتذي في ضوء ما وقع لهم من " غسيل أدمغة " مَحي كل اثر للثقافة الغربية الليبرالية وزرع مكانه أفكار بالية ليس لها صلة بضرورات سلامة وأمن المجتمع كما تعرفه الأصول الفقهية الإسلامية العريقة..

المعضلة هنا تتمثل في عدم قدرة أي أجهزة أمنية داخلية علي رصد مثل هذه التحولات بسهولة بغرض محاصرتها حتى لا تتحول إلي قنابل موقوته.. لأن المتحولون من تعددية الثقافة التي تُظلل كافة المواطنين إلي أحادية التفكير المتصلب في أراؤه الكاره للآخر، مواطنون مثل غيرهم !! ولأن برامج غسيل الأدمغة التي يتعرضون إليها من الصعب الإحاطة بها أو ملاحقتها..

وبرغم الضغط الذي تتعرض لها الأجهزة الأمنية البريطانية وكذا الأوربية من جانب المجتمع والمؤسسات المدنية من ناحية والمجالس النيابية من ناحية ثانية، إلا أن جميع الأطراف تتفهم حقيقة الوضع بلا مزايدة أو تجاهل أو كيل اتهامات بلا سند وقرينة.. لأنها تعمل بشفافية وتعرض خططها في التعامل مع هذه الظاهرة بايجابياتها وسلبياتها علي فترات متعاقبة..

وكنوع من إستخلاص النتائج في ضوء الحادث الإرهابي الأخير، طالبت أمبر رود وزيرة الداخلية البريطانية..

* المجتمع المدني أن يكون أكثر تجاوباً مع ما يراه مسيئاً لثقافة بلاده الليبرالية ووحدته العضوية وثقافته المتعددة وأسسه الديموقراطية وحقوق الأنسان المتساوية..

* وحثت أفراده علي المشاركة في إستباق العمليات التي تٌهدد أمنه وإستقراره عن طريق محاصرة التحولات التى قد " يُشتم " منها ما من شأنه أن يُعكر صفو المجتمع ويعرض أي من أفراده للتهلكة..

* وحثت شركات التواصل الإجتماعي علي ضرورة المشاركة في حرمان الإرهابيين من أن يكون لهم " مكان يختبئون فيه خلف ستائر برامجهم " بحجة الخصوصية..

* ودعت إلي إستصدار تشريع يعطي الأجهزة الأمنية الحق في الإطلاع علي محتوي الرسائل المشفرة إذا ما استشعرت فيها " ما يهدد الأمن القومي وأمن المواطن "..

هذا بينما أشار تقرير أوربي نُشر مؤخراً ان كتائب الجهاد " الإسلامي الإلكترونية " التى بدأت في الظهور منذ سنوات قليلة، لم تنل من أجهزة الأمن الغربية ما كانت تستحقه من إهتمام.. لذلك انتشرت في الأونة الأخيرة كالسرطان الذي أصبحت

خلاياه قادرة علي إصابة الأعمدة الفقرية للمؤسسات الأمنية للكثير من المجتمعات العربية والإسلامية والغربية أيضاً بالشلل اجزئي في كثير من الأحيان.. ومن ثم أصبحت قادرة علي إختراق الشبكات العنكبوتية تحت عناوين مغرية مثل الدعوة لحقيقة الدين والدفاع عن الإسلام المحمدي والعودة إلي الاصول وهجر الفروع وتحرير الأقصي.. إلخ..

ويفتح تقرير آخر الطريق إلي معرفة حجم التكاليف التى تكبدها الاقتصاد الأوربي كنتيجة مباشرة لعملية مثل : إغلاق مطار أورلي بعد ان حاول احدهم ان يختطف سلاح مجندة من العاملات في خدمته.. ومن قبلها عمليات الدهس التى شهدتها نيس وباريس وبروكسل.. وأخيرا عملية جسر ويتستمنيستر.. يقول المحلل السياسي " توبين هارشو " أن تعامل الأجهزة الأمنية مع هذه العمليات يماثل إستخدام مدفعية الميدان لقتل ذبابة !! او إطلاق صاروخ باتريوت لإسقاط طائرة بدون طيار.. هذا بينما تستخدم التنظيمات المتطرفة برامج تكنولوجية غاية في التواضع وكذا أدوات قتالية بدائية..

لذلك توافقت الاطراف البريطانية المسئولة علي..

1 - ضرورة توسيع دائرة التعامل المباشر مع الحالات المجتمعية التى تكشف عن تحولات في الأفكار لكي تتعرف علي قدراتها في تغيير الشخصية النمطية للمواطن البريطاني المسلم من السلمية إلي العنف، لكي تضع الخطط التى تمتلك مقومات التفوق عليها وتحرمها من استكمال عملية غسيل الأدمغة وتقوي في نفس الوقت من القدرة الذاتية علي مقاومتها..

2 – استصدار عدد من التشريعات التى تعطي الجهات المختصة الحق في الإطلاغ علي مضامين الرسائل المشفرة عن طريق خلق نوع من التوازن بين الحق في المعرفة والحق في الخصوصية، لأن محاربة الإرهاب والتصدي للفكر المتطرف لا يجب أن تُلقي علي كاهل الاجهزة الأمنية وحدها بل يجب أن يُشارك فيها المجتمع المدني وشركات التواصل الإجتماعي بأن يكون لهما دور إستباقي في هذا الخصوص..

[email protected]