حين قررت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن إسقاط نظام صدام حسين، بحثت عن ذريعة تبرر لها القيام بالهجوم على العراق،على الأقل لإقناع الكونجرس أولا، ثم الرأي العام العالمي بالضربة..ولم تجد الإستخبارات الأميركية أفضل من مسألة أسلحة الدمار الشامل العراقية وتهديدها للمجتمع الدولي تعليلا منطقيا للضربة الإستباقية،خاصة بعد ترويج مسألة الحرب البايولوجية ضد أميركا أثناء وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001..وحاولت تلك الإدارة وبشكل محكم زرع هذا الخوف في الأوساط العالمية، وساعدهم صدام بذلك مساعدة قيمة حين تلاعب بمسألة هذه الأسلحة مع لجان التفتيش الدولية قبل الحرب.

في فلم أنتج في هوليود حول هذا الموضوع لاحقا خلصت القصة الى أن الإستخبارالت الأميركية التي أرسلت عناصرها الى العراق بحثا عن تلك الأسلحة وصلت الى قناعة مطلقة بعدم وجود تلك الأسلحة قبل الحرب في العراق، وكانت هناك إشارات واضحة بأن تلك الأسلحة قد دمرها النظام فعلا قبل الحرب.

كان نظام صدام يمتلك بالفعل ترسانة هائلة من أسلحة الدمار الشامل بما فيها برنامج شامل لإنتاج الأسلحة النووية، فهو مثل غيره من الديكتاتوريين كان يبحث عن عوامل القوة التي تعينه لمواجهة أعدائه، مثلما فعل ويفعل ديكتاتور كوريا الشمالية اليوم بتهديد وتخويف الولايات المتحدة بأسلحته النووية.

 وكان صدام سبق وأن إستخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبنا الكردي وعلى نطاق واسع في جميع مناطق كردستان أثناء حملات الأنفال والتي توجها بالضربة الكيمياوية لمدينة حلبجة التي كشفت الترسانة المخيفة للنظام الى العالم وأكدت بما لايقبل الشك إمتلاك هذا النظام لأسلحة الدمار الشامل. الى جانب الأسلحة الكيمياوية كان يمتلك أيضا مخزونا كبيرا من الأسلحة البايولوجية وهي سهلة الإنتاج ولا يستعصى على النظام الصدامي، وكان على وشك تكملة برنامجه النووي، لكني أعتقد بأن هذا النظام قد دمر فعلا مخزونه من جميع تلك الأسلحة قبل وصول لجان التفتيش الدولية لكي لا يعطي أي مبرر لرد فعل قوي من دول التحالف ضده، وكذلك لكي يحول دون صدور قرار آخر من مجلس الأمن يضيق على نظامه خصوصا وأنه كان يعاني كثيرا من تبعات قرارات مجلس الأمن بالحصار عليه.

إذن ما كان هذا النظام يمارسه من لعبة القط والفار مع لجان التفتيش الدولية التي كانت تجوب مناطق العراق قبل الحرب، لم تكن سوى محاولة من صدام لتخويف دول الخليج وإيران وتركيا والدول العربية لكي تكون له الريادة العسكرية في المنطقة، أو على الأقل لإبتزاز الأنظمة العربية وخصوصا الخليجية، وإلا فإنه في الحقيقة كان قد دمر بالفعل مخزونه من تلك الأسلحة، وكانت تلك الغلطة الكبرى التي إقترفها النظام الصدامي.

وكطبيعة أي ديكتاتور وفي أي دولة كانت، فإن الدكتاتور يتباهى دائما بقوته العسكرية وإستعداده الدائم لإيذاء الآخرين،وصدام لم يكن مختلفا عن الآخرين في سعيه لإمتلاك مقومات القوة لمواجهة أعدائه وخصومه، وسبق له أن حسم العديد من معاركه وحروبه بتلك القوة المفرطة، فبعد الضربة الكيمياوية لمدينة حلبجة أصيبت الثورة الكردية بجبال كردستان بإنتكاسة كبيرة أضطرت معها الأحزاب الثورية وقوات البيشمركة الى إخلاء شبه كامل لجبهات المواجهة منسحبة نحو الأراضي الإيرانية. وكذلك كانت ضربة حلبجة بمثابة رسالة قوية الى إيران التي كانت في حرب مع العراق طيلة ثمانية أعوام سابقة، فلو أمعننا النظر سنجد بان الضربة الكيمياوية التي وجهت ضد حلبجة في الشهر الثالث من عام 1988، أفرزت حالة من الرعب لدى إيران التي أضطرت الى وقف الحرب بعد خمسة أشهر من تاريخ الضربة، حيث أنها تأكدت بأن نظاما يقصف شعبه بالأسلحة الكيمياوية المحرمة وفي ظل صمت دولي، لن يتوانى عن توجيه ضربات أكبر الى إيران المعزولة دوليا في تلك الفترة، ولذلك إتخذت قرار وقف الحرب تحسبا من ضربات مماثلة.

وهكذا حين إنتشى نظام صدام بالنصر الذي حققته أسلحته الكيمياوية أراد أن يكرر سياسة التخويف ضد دول الخليج وخاصة ضد إسرائيل الحليفة الإستراتيجية لأميركا، ولكن تلك السياسة جرت الى تحشيد العالم تحت قيادة أميركا ضد نظامه وبرر توجيه تلك الضربات المميتة على آلته العسكرية مما سهل الإنقضاض على نظامه في مثل هذا اليوم من عام 2003..كانت غلطة دفع ثمنها برقبته المتدلية على أعواد المشانق