الاهم من اجراء الاستفتاء المزمع اجراؤه هذا العام بالنسبة لجماهير شعب كوردستان هو ان تتحول تلك الخطوة قبل تحقيق حلم الاستقلال العتيق الى اداة للتوحيد ولم شمل كافة الاصوات والالوان المختلفة ونبذ القطيعة والانعزال والانقطاع، وليس لتعميق الخلافات وتوسيع الهوة وزيادة حدة التوترات، والاهم من ذلك بكثير هو عدم توظيف هذه القضية المصيرية في مغامرة خطيرة ولعبة غير معلومة النتائج ضد بغداد.

المواقف والتحركات السياسية التي شهدتها كوردستان خلال الايام القليلة الماضية تشير الى عدم اتخاذ اية استعدادات جدية او تهيئة الارضية الصحيحة لهذه العملية الحساسة قبل تأكيدات المسؤولين على تنظيمها هذا العام، حتى ان الاطراف الرئيسية المشاركة في العملية السياسية لم تبحث فيما بينها آليات كيفية اعلانها أو اجرائها أو حدودها الجغرافية او العقبات التي قد تعترض طريقها او التفاصيل الاخرى وفي مقدمتها الجهة القائمة على تنظيمها (الحكومة او البرلمان) كما لم تتوصل حتى الى تفاهم مبدئي حولها، وقد اكد الاختلاف الكبير في المواقف الاولية للاطراف (موقف حركة التغيير مثالا) كل ما سبق.

الاختلاف الكبير في المواقف لايبعث بأشارة ايجابية من اجل البدء بجمع الدعم والتأييد للاستفتاء المحتمل كما لن يكون عاملا مساعدا في انجاحه واتمامه على الوجه الصحيح، ويمثل كذلك نقطة ضعف ربما ستنعكس تأثيراتها على نتائج العملية برمتها في نهاية المطاف.

الجانب الآخر المقلق في العملية هو ان تكون هناك ارادة لاستغلال مسألة الاستفتاء المحتمل وتأييد شعب كوردستان (اقليم كوردستان) للاستقلال والانفصال عن العراق الذي الحق به دون ارادته منذ العشرينات من القرن الماضي كورقة ضغط في المفاوضات التي ستجري بين اربيل وبغداد لحل الخلافات والمشاكل العالقة بينهما، فتصريحات المسؤولين الكورد حول الامر توحي بان الهدف وراء القيام بهذه الخطوة هو اجراء العملية فحسب وان تنظيمها "لا يأتي بمعنى اعلان الاستقلال مباشرة"، عليه فمن غير المستبعد ان يكون تهديد بغداد احد الاهداف وراء اسراع الاطراف الكوردية في تناول مسألة الاستفتاء بتلك الحرارة وذلك لاجبارها على الانصياع لرغبات ومطالب اربيل في حسم المشاكل بينهما والتي تزداد تعقيدا منذ عام 2012.

واذا كان الهدف هو ابلاغ العالم والمجتمع الدولي بأرادة ورغبة شعب كوردستان كما يدعي بعض المسؤولين، فان هذه الحقيقة تم اثباتها بتمام الوضوح قبل 12 عاما عندما كان العراق الجديد يمر بطور التكوين وتثبيت الاقدام بمساعدة ودعم من الكورد، حيث جاءت آراء وتوجهات شعب كوردستان جميعا بما فيه الاحزاب والاطراف السياسية مؤيدة لعدم التخلي او المساومة حول حقه المشروع وعدم قبوله بأقل من الاستقلال.

حينها نظمت "حركة الاستفتاء" وكانت حركة مدنية في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) عام 2005 علمية جمع الاصوات للاستقلال في جميع انحاء كوردستان والمناطق المتنازع عليها في كركوك والموصل تزامنا مع الانتخابات البرلمانية العراقية وكانت النتيجة ان نسبة 98.6% من الناخبين قد صوتت بـ"نعم" لاستقلال كوردستان فيما قدمت النتائج كوثيقة مهمة الى المفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، كما تم قبل ذلك جمع مليون و750 الف توقيع داخل اقليم كوردستان وحوالي 300 الف توقيع خارج كوردستان لدعم مذكرة اجراء الاستفتاء وتم تسليمها الى حكومة العراقية والمفوضية العليا لحقوق الانسان وممثل الامين العام للامم المتحدة.

ردود الافعال والتصريحات والمواقف الداخلية تدل على ان الخطوة الاولى لمسيرة استقلال كوردستان لا تسير على طريقها القويم وقبل القيام بأية خطوة اخرى فان تصحيح المسار يمثل ضرورة ملحة لضمان اصابة الاستفتاء اهدافه وتحقيق النتائج المرجوة لشعب كوردستان.
*صحفي من كوردستان