إحدى قريباتي اللواتي لم يكتفين بالحجاب على الرأس. بل أضافت له حجابا فكريا مماثلا لحجب نور الشمس والتنوير حين قررت قطع علاقتها بصديقة عمرها المسيحية ورفضت هذه الصداقة وأصرّت على قطعها إلى أن تؤمن تلك الصديقة.

التفجيرات التي حصلت بالأمس في مصر لا تختلف سوى في أن القائمين بها تعدّوا فكرة العمل على إقناع المسيحيين لتغيير ديانتهم وتحويلهم للإسلام إلى , إما فرضه بالإكراه, أو إجبارهم على مغادرة وطنهم الأصلي , وتحليل إرهابهم, حين آمنوا مسبقا بحقهم في قتل كلا الطرفان المسلم الغير ملتزم بشرع الله إن تواجد قريبا من مكان التفجير , والمسيحي الغير مؤمن بما يؤمنون؟ تعزيتي في مصر لأني أعتبرها وطني العربي وتعزية أقباط مصر لن تقتصر على محاكمة القتلة.. ولكن بالإبتداء من الأمس وقبله بالقضاء على الفكر الذي يحمله هؤلاء القتله. فمن السهل جدا إدانة العمل الإجرامي.. ولكن هذه الإدانة لا تتعدى القول الشفهي , كما وأن إنكار طائفية هذه الإعتداءات تترك الثغرات مفتوحة لتبريرات لن تحد من المصيبه التي يتعرض لها الأقباط المسيحيون بالتحديد بل تتسبب بمزيد من الإحتقان إلى أن تقع الجريمة التالية.

الإعتراف الأول هو أن بذرة الأصولية موجودة و’متجذره قبل الهجمة الوهابية , وإن ساعد وساهم التمويل الوهابي في إعادة إحيائها. هناك جذور للأصولية في مصر قبل بدء حركة الإخوان المسلمون على يد حسن البنا وقبل كتابات سيد قطب. ربما يعود أولها إلى مخطوط "" إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة "" لشيخ الجامع الأزهر أحمد الدمنهوري آنذاك الفترة 1767- 1776. المخطوط الذي يصب في صلب التراث الديني ولا زال موجودا في المكتبة الأزهرية.. وإعتباره من قبل منظري الإسلام السياسي, أحد بل وربما أهم مصادر التراث الفقهيه , كونه يستند بل ويدعم طرح إجماع الفقهاء الأربعة ( الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية ) لتأويلهم لضرورة هدم الكنائس أو على الأقل منع بناء الجديد منها وتركها بلا ترميم. وأضاف إليها الشيخ الدمنهوري حرمانية وجودها أصلا.

المصيبه الأكبر هي في غض نظر الأزهر وإعادة نشر هذا المخطوط في كتاب يحمل نفس الإسم في ذروة الترويج للإسلام السياسي عام. 2012. من قبل سلفي يحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية د. أحمد عبد الرحمن النقيب, ’يدرّس في إحدى الجامعات الحكومية المصرية. وغفلت الحكومة المصرية أنه وبإعادة نشره لهذا المخطوط ماهو إلا تحريضا على العنف ضد دور العبادة. وهو ما تستعلمه كل التنظيمات الإرهابية كمبرر للعنف ضد المختلف؟ 

من هنا أتساءل من الذي يتحمل مسؤولية الفعل الإرهابي؟؟ التراث ومحرضي الإبقاء علية وإستعماله للتبرير والتحريض من مرّوجي الإسلام السياسي, أم الأزهر الذي لم يوئده ولم يصادر إعادة نشره, بينما صادر العديد من كتب روائيين ومفكرين تحت حجج الإضرار بالإسلام.. وبرغم فتوى شيخه الحالي د. أحمد الطيب في الشهر الثامن من 2014 بأنه يجوز بناء الكنائس.. إلا أنني أعتقد أن هذه الفتوى لم تأتي عن إقتناع تام بضرروة تجديد الخطاب الديني بقدر ماهي مجرد تفصيل فتوى وعملية مراوغه أخرى وتأييدا سياسيا للحفاظ على مكانته وإمتيازاته؟؟ فعدم إقتناعه بكل فكرة تجديد الخطاب الديني ظهرت واضحه في إختلاف رؤيته حتى لموضوع الطلاق الشفهي الذي طالبت به المؤسسه السياسية؟؟ فكيف به في مواضيع التراث؟ 

بذرة الأصولية لم تتوقف عند كتابة المخطوط وإعادة نشره.. ولكنها إستقت من مجلة المنار الإسلامية أن المواطنه حصرا على المسلمين في الدولة. أسس هذه المجلة رشيد رضا عام 1898.. والتي كانت منبرا لمقالات بدأت بإثارة الإنقسام الطائفي بين العقائد حين إعتبرت أن المسيحية أقرب إلى الوثنية ولا سبيل لإنقاذ البشرية إلا بالتأكيد على صدق الإسلام ونشر الإسلام. برغم إعتراف الإسلام بها كدين وبعيسى كنبي!!! وجذّرت لرفض حق المواطنة لأقباط مصر وحقهم في تولي المناصب السياسية في دولة الخلافة الإسلامية التي أرادوا التبشير والترويج لها.

نعم هناك أصولية وهناك تطرفا وهناك إرتباطا عقائديا وتشابها كبيرا في فكر هذه الجماعات بغض النظر عن إختلاف أسمائها أوعدم تجمعها في تنظيم واحد أو موحد.. فكر هذه التنظيمات يجتمع في العمل على إخلاء دور الإسلام من غير المسلمين سواء بالقتل أم بفرض إعتناق الإسلام.. للتمهيد لتنقية أرض الإسلام ثم الخلافه.. وكلهم أجمعوا على إحياء فريضة الجهاد التي غاب عنها المسلمون؟

إن تردد رئيس الأزهر بالأمس في إعتبار المسيحي الذي ’قتل في هذه المذبحة شهيدا يؤكد عدم صفاء نية الأزهر في أي تجديد للخطاب الديني أو حتى أنسنته. وإضطراره القول بأن القسيس يعتبره شهيد وعليه أعتبره شهيد. ما هو سوى مراوغة فكرية وخوف كامن من تحمل تبعات قوله أن المسيحي ’يعتبر شهيدا مثله مثل أخوه المسلم.

أما الإكتفاء بالقول بأن تنظيم الدولة الإسلامية هو المسؤول عن العمل الإرهابي وبدون تكفير هذه الدولة المزعومة الذي يرفضه الأزهر ما هو إلا بلبلة أفكار المواطن البسيط.. مما يؤهله وتحت طائلة المعاناة الإقتصادية ربما للإنضمام إليها. وهو أكبر الأخطار التي قد تترصد الدولة المصرية.. قيام شخصين بالعمليتين في أوقات متقاربة تؤكد وجود خلايا نائمه خارج سيناء.. ليس من المهم إنضمامها الفعلي للتنظيم وتعمّدها الإنتقام بأي تبرير سواء من إنكماش مساحة الدوله المزعومة أو إيمانها بأفكاره يؤكد وجودها في العمق المصري مما يجعله أكبر خطر على كل المصريين.

الإستمرار في إنكار وجود هذا التصدع والتفتت في البنية الإنسانية المصرية والإكتفاء من الإعلام بالقول بأنها ليست جرائم دينية او طائفية وليست من الإسلام في شيء ما هو إلا تخليا عن حث الدولة بكل أجهزتها على تحمل المسئولية الأولى في العمل على تجديد الخطاب الديني. وليس الإقتصار على توجيهه فقط لأن توجيهه لا يخدم المواطن المصري بل يخدم مصالح المؤسسات الدينية بما فيها حزب النور السلفي؟؟ إن وجود 40 نائبا في البرلمان المصري ينتمون إلى حزب النور السلفي يتعارض كليا مع أي مدنية للدولة.. ويؤكد العبث السياسي وعدم صدق النية في التأسيس للديمقراطية التي تتعارض كليا في مبادئها في المواطنة والمساوة مع أي فكر ديني.. والتي هي حق للقبطي المسيحي أسوة بالقبطي المسلم.. فالدولة المصرية ’مجبرة وغير ’مخيره على الإقتلاع الفعلي لكل التنظيمات الإرهابية في سيناء ولكنها وفي ذات الوقت عليها مسؤولية إقتلاع الفكر الإستئصالي المتطرف الذي يتخذ من المراوغه طريقا للعبث بأفكار المصري في كل مصر. يؤسفني القول والإعتراف بأن المؤسسة الأمنية المصرية تتحمل الكثير من المسؤولية خاصة مع علمها بإستهداف الكنائس الذي هددت به الدولة الإسلامية المزعومه أول عام 2017 ومع ذلك لم توفر الحماية الأمنية القصوى.. ولكني أيضا وأرفض مزاعم أي شخص بتواطؤ الجهات الأمنية بأي شكل كان مع الإرهابيين في هذا العمل الإجرامي.