كتابة: سربست فرحان سندي

من خلال مقاربة الأوضاع السياسية في كل من سوريا والعراق يظهر بأن المواقف التي اتخذها العرب السنة في العراق تماثل أو تكاد تتواءم مع موقف أقرانهم في سوريا، ولا يغيبن عن بال أحد بأن التدخل الأمريكي وضربه النظام العراقي في 2003 الذي أدى إسقاط حكم صدام حسين، نتج عنه إنشاء حكومة انتقالية ومن ثم اتخاذ النموذج الفيدرالي كحل وسط ومقبول من قبل معظم القوى وأطياف المجتمع العراقي، بما أنها آلية قائمة على التعدد والتنوع والديمقراطية، وعلى ذلك الأساس تم انتخاب أعضاء البرلمان العراقي، ولكن من بين مَن لم يكن راضياً عما آلت إليه الأوضاع وركنت إليه، كانوا العرب السنة فهم قبل الكل اعترضوا على شكل ونموذج النظام الجديد، ودافعوا عن النظام الأحادي، القائم على العرق الواحد، والقومية الواحدة، والإدارة الواحدة، وهم من أبرز من أصروا على النظام القائم على المحاصصات في البلد، بل ودائما ما اعتبروا بأن العراق جزء واحد لا يتجزأ، وكأن العراق كتلة واحدة بجسدٍ واحد ولا وجود حتى للاختلافات الجنسية بين الرجال والنساء والأطفال في جمهورية أرض السواد، وكأن العراق من جنس واحد مختلف عن كل البشر. 
حيث أن العراق الواحد الذي فرضه العفالقة لعقود من الزمان هو ما جعل خيالاتهم وآمالهم متعلقة بالعصر الذهبي لهم أوان تسنم حزب البعث العربي الاشتراكي لمقاليد السلطة طوال العقود التي سبقت سقوط النظام، وبقي العرب السنة من أبرز من أصروا على إخراج القوات الامريكية من العراق، حيث كان يخال إليهم بأنه ولمجرد خروج الأمريكيين ستقوم تركيا والدول العربية الأخرى بدعمهم، وذلك على أمل القيام بانقلاب جديد على الحكومة العراقية، وإعادة مجد البعث وأيامه وتسلم السلطة من جديد، بحيث يصبح العراق كله لهم كما كان ابان حكم الدكتاتور البعثي صدام حسين.
علماً أنه عندما كان السنة يفكرون بتلك الطريقة لم يكن الشيعة قد قوي نفوذهم بعد، ولم يحكموا قبضتهم على البلد، ولا كانوا قد تسلموا حكم العراق ككل، ومعلومٌ أنه في الوقت الذي رفض فيه السنة النظام الفيدرالي كان الشيعة حينها مقتنعون بالنظام الفيدرالي، ولكن عندما انسحبت القوات الأمريكية من العراق قام الشيعة بتسنم كل مراكز القوة والقرار وقلصوا من نفوذ السنة قدر المستطاع بمساعدة النظام الإيراني، بل ودمروا ما استطاعوا إليه سبيلا من الممتلكات والمؤسسات والكثير من المواقع الحيوية المهمة لدى السنة، بحيث لم يعد يصلح معهم حتى النظام الفيدرالي بعد ما تدمرت البنية التحتية في مناطقهم . 
عندها بدأ السنة بالدعوة إلى فيدرالية المحافظات، ودعوا الى نظام الحكم اللامركزي، حيث كانوا قد بلغوا منتهى الندم على ما فاتهم، وراحوا ينادون بالنظام الفيدرالي بعد أن كانوا من أهم المعترضين عليه في بداية طرحه، باعتبار أنهم أوان الاعتراض كانوا على أمل استعادة حكم العراق برمته كسابق عهدهم في الحكم، ولكنهم في النهاية خسروا كل شيء، فحتى الجزء لم يقدروا على أن ينالوه، وفي الوقت عينه لم يعد الشيعة يستجيبون لمطالبهم بعد أن قوي عودهم وامتد نفوذهم في عموم العراق، ومن يومها وضع الشيعة أياديهم على كل شيء في العراق وغدوا في استئثارهم الحكم أشبه بالمحتلين، هذا فيما يتعلق بموقف السنة منذ بداية التغيير في المنطقة ومدى رفضهم واستجابتهم للتغيرات السياسية في العراق.
أما في سوريا فعندما ثار الشعب على النظام البعثي البربري من أجل نيل الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة والعيش بكرامة، وقاموا بالمظاهرات في أغلب المدن السورية، وحيث راحت الدول الغربية تندد بممارسات النظام السوري، وتؤيد حق الشعب السوري فيما نهض لأجله، والعالم المتحضر بمعظمه راح يظهر تعاطفه الجم من مطالب الشعب السوري ويندد بممارسات النظام الدموي، متأملاً إجراء الإصلاحات المرجوة وتغيير شكل النظام الدكتاتوري إلى نظام تعددي، تتعايش فيه كل القوميات والأديان والأعراق والمذاهب، حتى يؤازروا أو يدافعوا عن الثورة التي ستسعى لتحقيق تلك المثل العاليا التي خرج من أجلها السوريون في آذار 2011.
ولكن في هذه المرة أيضا وكما حصل في العراق بالضبط، وقف العرب السنة بالضد من مشروع الفدرالية ومن ضمنها مطالب الشعب الكردي، واعتبروا أن عروبة سوريا ليست محط مناقشة قط، بل والأوساط الشيفونية منهم قالوا بأن الكرد من 50 ـ 60 سنة جاؤوا إلى سوريا من تركيا والعراق كلاجئين، وقد آويناهم وأطعمناهم مما توفر لدينا من خيرات هذا البلد، ورتقوا الكثير من هذا الكلام الإعلامي الذي لا فائدة منه غير تأليب العامة وتحريضها على الشعب الكردي الموجود على أرضه التاريخية منذ ما قبل الاحتلال الاسلامي لمناطقهم تحت اسم الفتوحات الاسلامية، إذ أنهم جعلوا من الكردي ضيفاً على وطنه، وذلك عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وقالوا بأنه لا يحق للضيف بأن يطالب من مضيفه مكاناً خاصاً به يدير فيه شؤون ذاته، حيث أنهم أي العرب السنة في سوريا روحوا بتلك العقلية فرصة ذهبية من أيديهم، أي لو كانوا قد توصلوا مع شركائهم إلى عقد اجتماعي يرضي جميع الأطراف لما تباخل في دعمهم الكثير من القوى والدول الغربية منذ بداية الثورة، ولكنهم كاخوانهم في العراق ومن خلال معارضتهم للتغيير البنيوي للنظام والدولة أضاعوا فرصة الدعم الغربي الحقيقي من خلال توجههم نحو أسلمة الثورة بدلاً من الانفتاح على الآخرين بما فيهم شركاءهم في الداخل السوري، وفي الأخير غدا حالهم أشبه بحال سنة العراق الذين رفضوا الفيدرالية بداية، إلا أنهم في الأخير قد لا يستطيعون منع حدوث التقسيم، وحيث أن سوريا الآن كما العراق شبه مقسمة إلى مقاطعات ومناطق نفوذ بين العديد من الأطراف السياسية والعسكرية.