المواقف والبلاغات والتصريحات الرسمية للاطراف السياسية في كوردستان في شكلها العام تدخل جميعا ضمن مساعي الدعم والدفاع عن اجراء الاستفتاء واعلان الاستقلال ولكن من الملاحظ وجود اختلاف واسع في مضمون وتفاصيل وآليات الآراء والتوجهات والتي قد لا تصب نهاية المطاف في مصلحة هذه المسألة الوطنية والقومية الهامة والحساسة وقد تتحول الى مصدر لنشوب خلافات كبيرة وازمة اخرى تضاف الى ازمات العملية السياسية المتجمدة في الاقليم والتي لم تتخلص بعد من عبء ازمات رئاسة الاقليم وتعطل البرلمان وتوتر العلاقات بين الاطراف.
الخطوات الفعلية التي بدأها الحزبان الرئيسيان في كوردستان (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني) من اجل المضي قدما في مسألة الاستفتاء وانجاحه تحتاج في الحقيقة الى دعم غير مشروط من جميع القوى السياسية في المقام الاول ثم الى استعداد جماهير شعب كوردستان في جميع المناطق بما فيها كافة المناطق المتنازع عليها فلا الاطراف الخمسة الرئيسية متفقة تماما على الخطوات المقبلة لاجراء الاستفتاء ولا استعداد الشارع والرأي العام في كوردستان وصل الى المستوى المطلوب كما لم تهيأ له الارضية المناسبة ليرحب بالخطوة بحرارة وحماس ويقبل عليها.
فعلى المستوى الجماهيري كان شعب كوردستان وفي جميع الحقب والمراحل مؤيدا للاستقلال والخلاص من قبضة المحتلين وداعما له وفي كل الظروف، الا انه يبدو ان المعادلة قد تغيرت اليوم واتخذت شكلا جديدا، فالتداعيات السلبية لتدهور الوضع المالي والمعيشي بسبب الازمة المالية واستمرارها لمدة ثلاثة اعوام وتفشي وتجذر آفة الفساد وتغلغلها في معظم المفاصل الحيوية الحساسة بالاضافة الى عدم الوضوح وانعدام الشفافية في واردات وثروات الاقليم انتجت خيبة امل كبيرة دفعت الناس الى وضع ترتيب جديد لأولوية طموحاته يحتل فيه الاستقلال مرتبة متأخرة فيما يأتي تحسين الوضع المالي والمعيشي والشفافية في الواردات وكيفية صرفها في بداية الترتيب ويحتل المراتب المتقدمة وبالتالي فان تهيئة الارضية واعداد الناس لموضوع الاستفتاء المصيري وحثه على المشاركة فيه بنعم، أمر ليس بالهين ويملؤه الصعاب وقد تنعكس تأثيراته بشكل سلبي في نهاية الامر.
اما على المستوى السياسي فالملاحظ ان حركة التغيير التي تتمتع باعداد من المؤيدين رغم تأكيدها الواضح في العديد من المناسبات على الدعم غير المشروط للاستفتاء وحق شعب كوردستان في تقرير المصير، الا انها تختلف تماما مع كل من الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني حول اجراءات تنظيمه وآليات اجرائه والجهة التي ستتخذ الاستعدادات لتحقيقه وقد وصل الامر الى حد رفضها استقبال الوفد المشترك للحزبين (الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي) الذي كان ينوي زيارة الحركة للتباحث حول الموضوع. بمعنى آخر فأن التغيير تعتبر توجهات ومحاولات الحزبين حول الاستفتاء خطأ في الاساس الامر الذي قد لايخدم اهداف الاستفتاء الرئيسية اطلاقا.

يضاف الى ذلك ان الاطراف الرئيسية (الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية) لها رؤيتها المختلفة حول الموضوع وان كانت متفقة مع رؤية الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في خطوطها العريضة الا ان تفكيرها حول بعض التفاصيل يختلف ولديها برنامج ووجهة نظر خاصة بها لايمكن الاستهانة بها وعدم الاستماع اليها واهمالها، اما الاحزاب الاخرى المشاركة في العملية السياسية فأنها تخضع بشكل من الاشكال لتأثير الاطراف الرئيسية ويبدو انها لا تشكل ثقلا في اتخاذ القرار النهائي حول الموضوع.
من هنا فان الحديث عن الدعوة الى اجراء الاستفتاء دون اعادة ثقة الناس بالسلطة وحل مشاكلهم المؤرقة وتبديد خيبة املهم وطمأنتهم حول المستقبل من جهة وبدون حل الخلافات والاختلافات السياسية وتوحيد وجمع القوى حول رؤية واحدة وهدف مشترك على اساس اجراءات مقبولة من جهة اخرى، ستكون مهمة صعبة قد تضر بمجمل العملية وهدفها السامي في حال عدم الاكتراث لها.
*صحفي من كوردستان