قد لايخطر على بال رئيس اقليم كردستان "مسعود بارزاني" مدى صعوبة موقفه وهو يتصدى لمشروع استراتيجي كبير مثل الاستفتاء على الاستقلال والانفصال عن دولة دخلت في صميم المعادلة الدولية والاقليمية الاستراتيجية وقامت على اساس المحافظة على التوازن الاثني والديني والديموغرافي والجيوبولوتيكي في المنطقة وفق اتفاقات وتحالفات اممية كبرى (سايكس بيكو)، وارتبطت بمصالح دول كبرى لايمكن تجهلها باي حال من الاحوال..تغيير هذا الواقع ليس صعبا فحسب بل مغامرة قد يفقد فيها بارزاني الجزء الكبير من المكتسبات الحزبية والوطنية والشخصية، وصورة انهيار جمهورية قاضي محمد عام 1946 شاخصة دائما امام ساسة الكرد حتى تحولت الى عقدة نفسية عميقة شلت حركتهم عن اتخاذ اي خطوة نحو الاستقلال وجعلتهم يشبهون الاستقلال وتشكيل الدولة الكردية بـ "حلم في قصائد الشعراء" بحسب وصف الزعيم "جلال طالباني" الذي لم يتوان من طمأنة الشعب التركي على البقاء ضمن الدولة العراقية لان مصلحة الشعب الكردي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا مع البقاء في العراق"أقول ذلك لاشقائي الاتراك.. لا تخشون من الاستقلال الكردي. البقاء داخل حدود العراق من مصلحة الشعب الكردي اقتصاديا وثقافيا وسياسي".هذا ما صرح به عام 2009 لصحيفة "الصباح" التركية ولكن تغييرات سياسية كثيرة حدثت بعد هذه الفترة واهمها على الاطلاق الثورة الشعبية السورية ضد نظام بشار الاسد عام 2011 والتدخل الروسي العسكري المباشر فيها لصالح الاسد عام 2015 وما رافقها من استقطابات طائفية وسياسية وقومية واحداث دراماتيكية خطيرة على دول المنطقة، كل هذه التغييرات المفاجئة التي اعقبت ثورة الربيع العربي، وتغييرات اخرى داخلية مثل ؛ مرض " طالباني" المنافس السياسي التقليدي ل"بارزاني"في زعامة الشعب الكردي واخلاء ه الساحة السياسية له، وكذلك تدهور العلاقة بين بغداد واربيل ووصولها الى مرحلة اللاعودة بعد قطع الموازنة عن موظفي كردستان وفرض الحصار على الشعب الكردي الامر الذي دفع بـ "بارزاني" الى فك الارتباط النفطي مع بغداد و التعاقد مع شركات عملاقة مثل "اكسون موبيل" لاستخراج النفط الكردي وتصديره الى العالم بمعزل عن حكومة بغداد.
.هذه العوامل وغيرها انعشت آمال الكرد في الحرية والاستقلال واعطت دفقا للرئيس"بارزاني" للمطالبة بالانفصال عن بغداد عبر استفتاء جماهيري ومن ثم دفعت بالحزبين الكرديين المهيمنين على الحكم في الاقليم الى نبذ خلافاتهما الدائمة وتوحيد جهودهما من اجل هدف واحد وهو انجاح عملية الاستفتاء المزمع اجرائه في الخريف المقبل من هذا العام.. وجاء رفع العلم الكردستاني فوق مباني مدينة كركوك المتنازع عليها ليؤكد تحديا اضافيا لحكومة بغداد واشارة واضحة لها بضرورة انهاء العلاقة المتأزمة بين بغداد واربيل ووضع حد نهائي لها عبر الانفصال السلمي على شاكلة جنوب السودان والتيمور الشرقية وكوسوفو، ويبدو ان ساسة بغداد قد استشعروا الخطر ورأوا الاصرار والجدية في القرار الكردي الجديد، فاوفدوا شخصيات سياسية وحكومية وغير حكومية الى اربيل والسليمانية لثني الزعماء الكرد عن قرارهم المصيري ولكن دون جدوى، فبعد فشل زيارة قائد فيلق القدس الايراني "قاسم سليماني"الى مدينتي السليمانية واربيل في محاولة للضغط على القادة الكرد لتأجيل عملية الاستفتاء، قام رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم بنفس المهمة ولكنه عاد بخفي حنين وجاء دور وزير الخارجية ابراهيم الجعفري ولكنه جوبه كسابقيه برفض قاطع، وعندما اخفق القوى الشيعية في ثني الكرد عن عزمهم الذهاب نحو الاستقلال واجراء الاستفتاء، ارسلوا "احمد الصدر" ابن اخ زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" الى اربيل واجتمع مع "بارزاني" واقترح عليه نزول الطرفان الى الانتخابات العراقية القادمة بقائمة واحدة، ولكن الهدف كان واضحا وهو محاولة للالتفاف على القرار الكردي وتحريفه عن هدفه وايضا لجر رجل القادة الكرد الى "المستنقع" العراق ثانية والعودة الى الصراع العبثي اللانهائي بين الكرد والعرب وبين الاقليم والحكومات العراقية!