حرب عالمية ثالثة مختصرة تحدث في سوريا والتوقعات تشير الى امتدادها للعراق، حرب تشترك فيها امريكاوبريطانيا وروسيا واسرائيل وتركيا وايران اضافة الى فرنسا وهي في طريق مشاركة أوسع، ناهيك عن دول أخرى تساهم بنحو غير مباشر.
قبل مئة عام حدثت الحرب العالمية الأولى وخضعت الدول العربية لدول الاحتلال حيث تقاسمت كل من بريطانيا وفرنسا الدول العربية كغنيمة حرب، عندها خرجت الدول العربية من إحتلال عثماني متخلف الى احتلال بريطاني فرنسي، يعتمد مناهج واساليب تعليمية وصناعية وحداثة مدنية في التعليم والتطور، لكن الأنظمة العربية خسرت مشروع التلاقح الحداثوي وبناء علاقات بنائية استراتيجية معها، كما سعت ألمانيا واليابان وبعض دول اوربا الشرقية وافريقيا من خبرات الدول المحتلة.
بعد مئة عام تقوم الدول الكبرى باحتلال جديد للبلاد العربية وعلى نحو محدد وبتراتبية احتلالية تتسلسل فيها الدول العظمى، فالبلاد المنتخبة للإحتلال هي سوريا والعراق وليبيا ودول الخليج، أي مصادر الطاقة ( النفط والغاز )،
وتراتبية دول الاحتلال تشير لامريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ثم تتبعهم بشهية أعلى دول الجوار العربي، تركيا واسرائيل وايران.
واذ أعطت الحربين الأولى والثانية ثمارهما في تقسيم الخارطة العربية وتجزئتها الى دول واقطار حسب المصطلح القومي، فأن الحرب الثالثة الجارية الآن تمضي ببرنامج تجزئة هذه الدول الى اقاليم وكانتونات سياسية وجغرافية، أي تجزئة المجزأ واعتماد الهويات الطائفية والعنصرية في منظومات السلطة بدلا عن الهوية الوطنية وروح المواطنية.

 السؤال المهم الذي يبحث في خلفية هذه المقدمة البيانية المعروفة للجميع، يكمن في التعرف على الأسباب الصريحة لهذه النتائج التي توصم العرب كأمة وكذلك أنظمتها السياسية بالعار والشنار والهزائم التاريخية المتكررة والمتوالية، دون قدرتها على توليد مضادات داخلية أو تشكيل نواة قومية أو وطنية صلدة للصمود ومقاومة التهكير المستمر لإرادتها وكرامتها وتماسكها الذاتي، بخلاف ما حدث للأمة اليابانية أوالالمانية أوالفرنسية خلال وبعد الحرب العالمية الثانية،رغم تعرضها لأبشع انواع التغريب والتهجين والإذلال والتدمير.
للجواب على هذا السؤال الوجودي يستدعي استحضار المئة عام الأخيرة من التاريخ العربي، وتفكيك اشتباكاته الاجتماعية والسياسية والدينية والصراعات الغاطسة في طبقات تلك المجتمعات ومركباتها الأثينية، وباختصار شديد يمكن إجمال حصيلة جوابية بالنقاط التالية ؛
غياب رؤية استراتيجية في توحيد جهود النظام العربي وبلدانه المتنوعة، في تكامل صناعي وزراعي وتجاري قادر على إنشاء قاعدة أو قواعد اقتصادية تحقق التكامل الاقتصادي في الوطن العربي، وتستفيد من موارده البشرية والموقع الجغرافي المميز إضافة الى كونه مركزا مهما للطاقة في العام.
انشغال نخب الفكر والدين في الأمة بمشروع العودة للماضي وليس للتراث، وعدم انتزاع القدسية عن النصوص،وخصوصا النصوص الدينية والتعامل معى كمعطى أو نتاج وعي مجتمعي تاريخي. 
استغراق السلطات المتحكمة بالدول العربية بمشروع السلطة وشروط بقائها، وإهمال مشروع الدولة أو الأمة، وبهذا تم تكريس النزعة القطرية وغياب استراتيجية التكامل القومي.
التضاد الدائم والمستمر بين طبقات الشعب من جهة، وسلطات متحكمة بطغيان وظلامية ونفوذ وهيمنات موروثة دينية وعقدية من جهة أخرى، اضافة الى السيطرة على الثروات والنفوذ والقوة وتوجيهها لأغراض ليست بنائية.
هيمنة الفكر الذكوري والعقليات الرجعية التي تسعى لربط الحاضر بالماضي، وعدم الأخذ من الحداثة في العالم المتقدم والمتحرر.
انعدام استقلال المؤسسة الثقافية القادرة على بناء رأي عام، أو توحيد ابناء البلد الواحد أو الأمة على تقاليد التفكير الحر وبناء مفاهيم نقدية في تعرية عالم لم ينتج سوى الهزيمة والانهيار وروح الاستسلام والخرافة.
تحول الفاشيات من فكر سياسي الى واقعية اجتماعية -طائفية لاتتواني عن نشر سلوك وفكر اقصاء الآخر المختلف طائفيا وعنصرياً، وكذلك في خوض حروب التطهير العرقي والطائفي.
انتشار الفقر ومعدلات الأمية والأمراض والتخلف الإجتماعي والحضري في نتاج طبيعي لما سبق من عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية. 
لذا ليس من الغرابة ان تقع دول عربية مهمة وكبيرة مثل سوريا أو العراق تحت هيمنة واحتلال ايران أو تركيا أو حتى اسرائيل، التي صارت تدخل على خط فرض إرادتها وشروطها في دائرة الصراع الممتد من شواطئ البحر المتوسط الى الحدود الايرانية وشواطئ بحر العرب. 
سوف تستمر هذه الحرب لأجل غير مسمى وستنتج هزائم جديدة للعرب، ليؤكدوا من جديد أنهم ضيوف على الآدمية كما قال الشاعر محمود درويش.