ما أن تُعلن الفضائيات في خبر عاجل عن وقوع عمل إرهابي في فرنسا أو بريطانيا أو في كنيسة مصريّة، حتى تشتعل وسائل السوشيال ميديا بعناكب المعلّقين على نحوٍ مَهُول.

يثير جُموح بعض هؤلاء تساؤلاً مشروعاً عن سبب قيامهم بما يشبه الطقوس الإحتفالية لمناسبة وقوع هذه الأعمال الإرهابيّة في الغرب بموازاة إنكارهم التام على البعض الآخر مشاعر التضامن والإدانة ، علماً أن الإرهاب يضرب كل يوم في محيط شرق المتوسط وشمال أفريقيا لكنّه لم يعد خبراً على الأرجح ، بل تحوّل بفعل التكرار والبشاعة إلى لعنة يوميّة معتادة تصيب بلاداً وشعوباً غارقة في دوامة حروبها وصراعاتها حتى النخاع . 

إلاّ أن ما يستوجب التنبّه له هو أن أفعال الإرهاب هذه حفَرَت عميقاً في نفوس الشعوب ، فهل يُعقل - مهما كانت المُبررات - أن أي حادثة إرهابية تصيب غيرنا تبعث على الفرح وتدعو للإحتفال عندنا ؟!

واضح أن هناك من يصفّق للإرهاب لأسباب دينيّة عقائدية، وهذه معضلة كبرى ، لم يعد ينفع إنكارها ، بل يَقْتضي علاجها ، والنظر في جذورها والإجتهاد في إصلاحها . 

وهناك أيضاً من يبرّر مثل هذه التصرفات بإعتبارها ردة فعل على ما يلحق بالعرب والمسلمين من مظلوميّة ، فلا يُمكن التعامي عن حقيقة أن عقوداً من الظلم والقهر والعنصريّة والتجاهل والتعسّف وإنكار حقوق بديهيّة لشعوب عن بكرة أبيها جعلت من أمر الحماسة لهذه الأعمال الإجراميّة " طبيعياً "بل ومتبادلاً ما بين الشعوب وإن كان هذا غير معقول على الإطلاق ! . 

سياق هذا التصفيق الغرائزي والمُتسرّع للإرهاب عبر وسائل التواصل الإجتماعي غالباً ما يكون نابعاً من وجدان هويّات مقهورة تَبني موقفها على مقدّمات قد تكون محقّة تماماً لكنها مُرتبكة أيضاً لشدّة ما تمر به من أهوال فما تلبث أن تنزلق عن جادّة الحق لتسقط في فخ خلاصات كارثيّة شاذّة ، يُردّد هؤلاء مقولاتهم ،" لأنهم مسيحيين وأقباط يتعاطف معهم العالم ، مئات الآلاف يُقتلون عندنا ولا بواكي لهم ، أين تعاطف الغرب معنا ، هم يقتلوننا ويدمرون بلادنا فلماذا نتعاطف معهم ! هل دمهم غير دمنا ؟ إنسانهم أغلى من إنساننا ؟ ولماذا هذه الدونيّة عندكم أيها المتزلفون للأجانب ؟ أم أنكم تنافقونهم لعجزكم عن الوقوف بوجه أطماعهم وسياساتهم " ! .

هذا الخطاب المُستولد في كَنف شعور مُخصّب بالظلم والقهر هو بالذات ما يتغذى منه و يستغلّه الإرهاب لينفّذ أجندته التخريبيّة حاصداً أرواح الأبرياء ، وضارباً بعرض الحائط مصالح الشعوب المغلوب على أمرها قبل أي أحدٍآخر . 

رُكُون البعض على وسائل السوشيال ميديا إلى هذه المقارنات والإسقاطات والنّطق بها هو الخطأ الكبير ، ومن الضروري أن نلفت الإنتباه إلى أن التعليقات على مثل هذه الأحداث تُرصد بمنتهى الدقّة لأنها تُشير إلى عنصر أساسي يتم البناء عليه إعلامياً وفكرياً وسياسياً وإجتماعياً وأمنياً وعسكرياً إنطلاقاً من صلته بصلب الصراع القائم ، إن ملايين المشاركات والتي تنطوي في مثل هذه الحالات على براءة غير محمودة ، يجري تحليلمحتواها لتقود 

- أي متربّص - إلى خلاصة مفادها أن العرب والمسلمين يفتقدون إلى معيار إنساني أخلاقي واحد وهم بِطبْعهموجيناتهم إرهابيين عن بكرة أبيهم إذ يتباكون على قتلاهم فيما يُصفّقون ويَفرحون بقتل الآخرين .

الإرهاب عنوان المرحلة وهو لعبة كبرى، مُعقّدة ، كثيرة الألغاز ، يجري توظيفها دائما في الأمن والسياسة ، وعندما يجلس " وطاويط الليل " في غرف مجهولة العنوان ، فإنهم يدرون ماذا يصنعون ، وإنهم يحرصون على دقّة المقادير ، قدرة التحكّم ، الحيز الجغرافي ، شعور الناس ، مدى قبول البيئة الحاضنة ، العمر الإفتراضي أو مدة الصلاحية لأي فصيل إرهابي ، ولهذا كلّما كانت الأفكار والعقائد التي تحرك الإرهابيين مُتشددة ومنبوذه من المجتمعات المحيطة والبعيدة كلّما كان هذا دليل على نجاح الوصفة والتركيبة التي يتم إعدادها في المعامل المخابراتية لتخصيب الإرهاب .

ولا مفرّ من فك شيفرة هذه التعويذة والتحرّر من سطوتها ، ولا يكون هذا إلا بنبذ الإرهاب جُملة وتفصيلاً بكل أشخاصه ودعاته و أشكاله وجهاته ، والحذر واجب من أن يقع نشطاء شبكات التواصل في فخ الإرهاب فيُروّجون له عن غير قصد أو ربّما عن سابق إصرار وتصميم ! . 

معلوم أن مكافحة الإرهاب تشترط تظافر جهود العالم وتستدعي على نحو لازم رفضاً أخلاقياً إنسانياً مطلقاً لكل الجرائم الإرهابية أينما وقعت ومن أي جهة كانت ،فالجريمة هي الجريمة ، ولا يستوي _ عقلاً وضميراً وخُلقاً _ أن نشمئز من وقوع جريمة هنا فيما نستلذّ ونُوزّع الحلوى على المّارة فرحاً بجريمة هناك . 

ومن نافل القول أن قواعد الإشتباك و قوانين الحرب والنزاع معروفة للجميع ، وهي بمجملها تنص على تحييد المدنيين وحصر القتال بالمتحاربين من حَمَلة السلاح ، وأي مس بأي إنسان مدني أو مجموعة يعتبر إعتداءاً يرقى _ في بعض الحالات _ إلى عمل إرهابي .

فلتهدأ العناكب ، ولْتقطع شبكات خيوطها بكل ما يتصل بالإرهاب من قول أو عمل ، فتخرج من عتمة الكراهية إلى فضاءات النور ، من آتون الذّل والموت المجاني إلى صناعة الحياة وكرامة الإنسان . 

إن هذا الإنفجار المعلوماتي الكوني العظيم قد كشف المستور ، وفضح ركاكة قوام الوعي ، ومساويء التعصب في التفكير، والتسرّع في التحليل، والتشظّي في التعبير ، وإندلاق الموازين وضياع المعايير ، فبدى مُرعباً مشهد تلك الأجيال المتروكة في أرض المعركة بلا سلاح ، بلا معلومات ، في مساحات تسمّى بلاداً تتهاوى من قعرٍ إلى قعر ، فيكيانات تَتحلّل ، نامت على بؤس شريعة الغاب ،وإستفاقت على غاب بلا شريعه ، تسرح فيها ذئاب منفلتة ، تلبس أقنعة الحملان ، تتسلح بالنصوص الدينية ، تَذبح في خلق الله ! .

إلى متى ؟ .