قادني نقاشٌ عابر مع أحد الأصدقاء ذات لقاء عن داعش ومن لف لفهم إلى التساؤل عن مدى نجاح الجهود الدعوية الإعلامية الأردنية لتوعية الأجيال دينياً؛ وتفرع منه أيضاً الحديث عن كثرة حوادث القتل والانتحار التي نسمع عنها في مجتمعنا. والمتابع للإذاعة يسمع البرامج الدينية يومياً. وكان السؤال لماذا كل هذا ونحن لا يكاد يمر يوم بدون برنامج ديني؛ ومن الغريب أننا نسأل في هذه البرامج عن كل شيء متحريين الحلال والحرام بخصوص العبادات ونغفل عن المعاملات اليومية باستثناء ما يتعلق (بالقروض) التي تشغل بال الكثيرين. تزدحم شوارعنا الأردنية باللافتات الروحانية التي تدعونا للاستغفار والتسبيح ومراجعة أسماء الله الحسنى بالشوارع الطويلة بالمدن ولا نرى لافتة تشير للجانب السلوكي؛ فما الذي يجري بمجتمع لا تسمع ولا ترى فيه إلا مظاهر التدين ؟ ولماذا لا تترجم هذه المظاهر سلوكياً؟ 

باعتقادي وكمدخل للحديث حول هذه الظاهرة أن المجتمع و الإعلام الرسمي الأردني متأرجحان بين مصطلح الدولة المدنية والدولة الدينية؛ ورغم كل مظاهر التأكيد أن الدولة المدنية لا تمس المعتقد الديني للشخص إلا أن هناك خوفاً كبيراً من أن لا يكون هذا هو الصحيح؛ ولهذا تحرص الناس أشد الحرص على الظهور بكل مناسبة على أنها مجتمع ديني كتلك الحملة الشعواء التي قادها البعض عندما اختفت كلمة الديانة من البطاقة الذكية واعتبرت طمساً للهوية الدينية رغم توضيح الدائرة بأن الديانة موجودة بالملف وستظهر عند طلب الهوية؛ وكنتُ أتساءل دائماً هل سيكون دخول الجنة والنار (عالهوية) مثلاً!! ناهيك عن رفض كل ما أشيع عن النية بتنظيم مهرجانات كمهرجان الألوان والبيجامات رفضاً دينياًباعتبارها أعياد الكفار وليس لسبب اجتماعي أردني صرف. لهذا يحار المواطن أحياناً كثيرة بأمره هل هو بدولة مدينة أو دينية.

وتشكل الموسمية في الطروحات سبباً آخر لعدم نجاح الإعلام الديني بشكل كامل. لا يوجد برنامج طويل الأمد لهذا الإعلام باستثناء محاولة وزارة الأوقاف الأخيرة لتوحيد خطبة الجمعة حتى توحد الخطاب الديني؛ وهذه أيضاً تجد أحياناً معارضة حتى من الخطباء أنفسهم. وأقصد بالموسمية هو أننا إن سمعنا بحالات انتحار مثلاً نجد كل البرامج تتحدث عن الانتحار على أنه حرام شرعاً؛ وتكثر حالات القتل فنسمع البرامج تتحدث عن حرمة قتل النفس إلا بالحق. وتأتي التعليمات بمحاربة الفكر الداعشي فيصبح الحديث كله عن الوسطية. والملاحظ بالأمر أن الحديث كله شرعي وليس اجتماعياً أو نفسياً، فلا نسمع رأياً لعالم اجتماع أو عالم نفس يتحدث حول هذه القضايا باستثناء محاولة البعض لتسييس هذه القضية والقول بأن الجوع سبب رئيس في الانتحار أو حتى الالتحاقبداعش. نسأل عن رأي دائرة الإفتاء بكل صغيرة وكبيرة ولا يهم بعدها أن نعمل بالفتوى أو لا. وهذه النقطة تقود لما بعدها وهو غياب الرأي الآخر.

وفي خارج الإطار السابق يسرح الإعلام المضاد ويمرح الرأي الأخر. نعم، هناك بعض الفئات من لا يقبل بفتوى دائرة الإفتاء ولهم فتواهم الخاصة في كل الأمور وهذا ليس بخاف على أحد فلماذا لا نصل إليهم ونحاورهم أو نبين بطلان حججهم أمام جماعاتهم وليس على منابرنا نحن.لماذا تبقى بعض المساجد حكراً على خطباء معينين ولا يقربها غيرهم. لقد شكى الكثير من المصلين على البرامج الدينية من أن الشيخ فلان قال كذا أو فعل كذا بالمسجد أو امتنع عن كذا مدعياً أنه ليس من الدين. فلماذا يترك لهم الحبل على الغارب؟ وأذكر أن أحد الخطاء المشهورين نبه إلى مثل هذا ذات مرة بأن هذه الفئة لا تسمعنا ولا تصلي معنا فكيف سنحاورهم؟ والسؤال هنا هل يعمل هؤلاء بمساجد وزارة الأوقاف أم بزوايا خاصة لا تصل إليها يد الوزارة؟ أين سياستنا الوقائية من كل ما يجري. لا يجب الاكتفاء بالدعاء بأن ينير الله قلوبهم فقط.

نقول ما قلنا ونحن نعرف صعوبة الانتقال إلى الدولة المدنية وربما سيأخذ الأمر وقتاً طويلاً ما دام يوجد بين صفوفنا من يشكك بكل ما تقوم به الدولة تجاه هذه الخطوة. ولهذا سيبقى الإعلام الديني يلهث ولا يحقق الكثيرحتى إن قال منظموه أو منظروه بأنهم نجحوا بذلك.

___

(1) لقد تحدثت عن النموذج الأردني حتى لا أتهم بالتدخل بشؤون الآخرين مع يقيني أن الحال لا يختلف كثيراً بباقي الدول العربية.