عندما انتهت الحرب العالمية الثانية خرج منتصروها بإنشاء منظمة الأمم المتحدة،التي أعقبت عصبة الأمم (1919-1945) كان في هدفهم وغايتهم تجنب الحروب والتخلص من أثارها أو التخفيف منها، ولذلك عالجت مواد الميثاق مسائل استخدام القوة ضد الدول الأعضاء، وقد بين ميثاق المنظمة الدولية على موضوع منع استخدام القوة في العلاقات بين الدول إذ "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة".

ويبدو الأزمة الأخيرة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية تهدد باستخدام القوة العسكرية، وبداية لتصعيد الخلافات بينهما، في ظل تطور البرنامج النووي الكوري، والذي تعده الولايات المتحدة خطرا على المجتمع الدولي، وبالمقابل تعد كوريا الشمالية برنامجها النووي حقا، مادام البرنامج لإغراض سلمية بحته بما لا يتعارض وقواعد القانون الدولي، ومن هذا المنطلق فقد تبادر إلى الأذهان بوادر حرب عالمية ثالثة ولكنها اخطر إذا استخدمت الأسلحة النووية.

موقف القانون الدولي من الحد من انتشار الأسلحة النووية
كان للقانون الدولي موقف ايجابيا من مسالة الحد من انتشار الأسلحة النووية، إذ عقدت الدول معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2373 (الدورة 22) المؤرخ في 12 حزيران 1968جري توقيعها في لندن وموسكو وواشنطن في 1 تموز 1968.

وقد نصت المعاهدة في مقدمتها على إن الدول العاقدة لهذه المعاهدة، والمشار إليها فيما يلي بتعبير "أطراف المعاهدة"، إذ تدرك الدمار الذي تنزله الحرب النووية بالبشرية قاطبة، وضرورة القيام، ببذل جميع الجهود الممكنة لتفادي خطر مثل تلك الحرب وباتخاذ التدابير اللازمة لحفظ أمن الشعوب، وإذ تعتقد أن انتشار الأسلحة النووية يزيد كثيراً من خطر الحرب النووية، ومراعاة منها لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تدعو إلى عقد اتفاق بشأن منع زيادة انتشار الأسلحة النووية، وإذ تذكر أن الدول ملزمة، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، بالامتناع، في علاقاتها الدولية، عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية لأية دولة أو ضد استقلالها السياسي أو على وجه الخصوص مناف لمقاصد الأمم المتحدة، وإن تعزيز إقامة وصيانة السلم والأمن الدوليين ينبغي أن يجري بأقل تحويل لموارد العالم البشرية والاقتصادية إلى الأسلحة.

وبالرغم من ترحيب الدول بالمعاهدة إلا أن كل من الهند وباكستان باعتبارهما دولتان نوويتان لم توقعها على المعاهدة. كانت ايرلندا وفلندا من أولى الموقعين على المعاهدة، أما الولايات المتحدةالامريكية والاتحاد السوفيتي(روسيا الاتحادية) و بريطانيافقد وقعوا عليها عام 1968، ووقعت فرنسا والصينعليها عام1992، وفي عام 1995 وصل عدد الدول الموقعة إلى 170 دولة، ولا تزال المعاهدة مفتوحة للتوقيع،وكانت كوريا الشمالية قد وقعت على المعاهدة إلا إنها انسحبت منها لاحقا لتلغي أية التزامات تقع عليها في هذا المجال.

وقد بينت الدول الموقعة على:
ونصت المادة الأولى من المعاهدة على الأتي: تتعهد كل دولة من الدول الحائزة للأسلحة النووية تكون طرفاً في هذه المعاهدة بعدم نقلها إلى أي مكان، لا مباشرة ولا بصورة غير مباشرة، أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى، أو أية سيطرة على مثل تلك الأسلحة أو الأجهزة؛ وبعدم القيام إطلاقا بمساعدة أو تشجيع أو حفز أية دولة من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية على صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى أو اقتنائها أو اكتساب السيطرة عليها بأية طريقة أخرى.

إما المادة الثانية فقد نصت على تتعهد كل دولة من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية تكون طرفاً في هذه المعاهدة بعدم قبولها من أي ناقل كان، لا مباشرة ولا بصورة غير مباشرة، أي نقل لأية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى أو لأية سيطرة على مثل تلك الأسلحة والأجهزة؛ وبعدم صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة أخرى أو اقتنائها بأية طريقة أخرى؛ وبعدم التماس أو تلقي أي مساعدة في صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة أخرى.
في حين نصت المادة السادسة على: تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في المعاهدة بمواصلة إجراء المفاوضات اللازمة، بحسن نية، عن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في موعد قريب وبنزع السلاح النووي، وعن معاهدة بشأن نزع السلاح العام الكامل في ظل مراقبة دولية شديدة فعالة.
فضلا عن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فقد عقدت معاهدات يطبق عليها المعاهدات ذات الطابع الإقليمي،اعتبرت بموجبها مناطق من العالم منزوعة السلاح ومثالها:-
دول أمريكا اللاتينية: التي عقدت معاهدة تلاتيلولكو، وتتميز بأنها أول معاهدة دولية ذات طابع إقليمي تتعلق بإخلاء منطقة آهلة بالسكان من الأسلحة النووية، وتسمح لمنظمة دولية بعملية التفتيش، والتحقق من الالتزام ببنودها، دخلت حيز النفاذ في نيسان 1969، إلا أن تنفيذها فعلياً لم يبدأ إلا في عام 1994 حين صدقت البرازيل عليها.
دول جنوب الباسيفيكي: عقدت معاهدة راروتونغا في 1985 ودخلت حيز النفاذ في نهاية عام 1986.
الدول الأفريقية:عقدت معاهدة بليندابا وقد اعتبرت هذه المعاهدة المنطقة الأفريقية منزوعة السلاح النووي، تم التوقيع عليها عام 1996، لكنها لم تدخل حيز النفاذ بسبب عدم التصديق عليها إلا من 25 دولة من أصل 28.
الآسيان: عقدت معاهدة بانكوك بين دول منظمة الآسيان (ASEAN) جنوب شرق آسيا 1997 و المعاهدة بين دول آسيا الوسطى، و هي الدول الناشئة عن تفكك الاتحاد السوفيتي ( روسيا الاتحادية) حاليا عام 2006.
من كل ذلك يتبين مدى رغبة الدول في الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتقنين القواعد الناظمة للحد من هذا الانتشار لمدى تأثيره على واقع العلاقات الدولية.

تحليل الأزمة الأميركية الكورية
ظهرت كوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، نتيجة التنافس بين حكومات الدول الكبرى للسيطرة على شبه الجزيرة، التي تم تقسيمها بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق،،وطبقاً لهذا التقسيم يقوم اليابانيون شمال هذا الخط بالاستسلام للاتحاد السوفييتي وفي الجنوب للقوات الأميركية، وهكذا ودون استشارة الكوريين تقاسمت القوتان العظمتان شبه جزيرة كوريا لتتحول إلى منطقتي احتلال واضعين الأساس لحرب أهلية،وقد أصبحت كوريا الجنوبية حليفا للولايات المتحدة بينما تعد كوريا الشمالية إحدى الدول التي ترى فيها الولايات المتحدة إنها لاتزال تؤدي دورا سلبيا في العلاقات الدولية خصوصا مع تنامي مشاكل متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها.

أما اليوم تظهر أزمة جديدة تتعلق بالتهديد باستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية، بسبب برنامجها النووي، فما الذي يمكن أن يحدث في العالم حال وقوع حرب من هذا النوع بين قوتين نوويتين؟ بين القطب الواحد ويمثله الولايات المتحدة الأميركية، والتي لها تجربة سابقة مع الاتحاد السوفيتي السابق، مع وتعد كوريا الشمالية التي تعد حديثة العهد في هذا الصراع القائم على أساس سياسي عسكري وليس على أساس ايدولوجي عقائدي.

خصوصا وان الولايات المتحدة أشارت إلى إنها تجري تقييما لخياراتها العسكرية، من أجل الرد على استمرار برنامج التسلح الكوري الشمالي، إذ وصلت حاملة الطائرات كارل فينسن ترافقها ثلاثة سفن قاذفة للصواريخ، قادرة على إطلاق صواريخ كروز من طراز توماهوك، مثل تلك التي استخدمتها أمريكا في سوريا، إلى مياه شبه الجزيرة الكورية، على بعد 300 ميل، من موقع التجارب النووية في كوريا الشمالية، وربما يقود هذا التهديد إلى تعزيز دور المجتمع الدولي،وحثه من اجل الحد من الأسلحة النووية الكورية ومحاسبتها على هذا النشاط،بزعم إنها ستقود إلى قيام حرب نووية.

أما من الجانب الكوري فهي رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية بأنها ستكمل برنامجها بالرغم من اية اعتراضات، من جانب الدول الكبرى باستثناء الصين التي تجدها كوريا حليفا لا يمكن الاستغناء عنه خصوصا وأنها المصدر الرئيس للأسواق التجارية والوقود في كوريا الشمالية.

نرى أن موضوع التهديد الأميركي لا يعني باي حال من الأحوال قيام الحرب، أو استخدام قوة محددة في أوقات معينة من اجل دخول كوريا الشمالية إلى الحرب، بل هي عودة للحرب الباردة لكن بمفهوم لاعتمد بالأساس على المنطلق الأيدلوجي بل على البرنامج النووي،وتكوين مناطق نفوذ لكليهما، فالواقع، وحسب ما نرى في تحليلنا هذا إن الولايات المتحدة، لا ترى في كوريا ذلك المنافس القوي، الذي يمكن أن يظهر لها كما كان الاتحاد السوفيتي السابق، بل ترى وحسب وجهة نظرنا أن كوريا غير مؤهلة لهذا البرنامج، وانه يفوق قدراتها ومكانتها، ويؤدي الي تهديد الأمن والسلم والدولي، من دولة لاتقدر عواقب تصرفاتها.

 مستقبل الأزمة الأميركية الكورية 
برأينا فان العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لاسلم.ولا حرب، فالحالة هي بداية حرب استنزاف للقوة الكورية الشمالية، ولا نبالغ إذا قلنا هي استنزاف للقوة الاقتصادية والعسكرية ليس لكوريا الشمالية وحلفاؤها، بل وللدول الحليفة مع الولايات المتحدة أيضا، وعلى أساس التعاون الدولي في مكافحة البرنامج النووي الكوري الشمالي ويمكن النظر لمستقبل الأزمة من خلال الأتي:
أولا: ستعمل الولايات المتحدة الأميركية على قطع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، إذا وقفت موقف الحياد من الأزمة، أو وقفت مع كوريا، نظرا للارتباط التاريخي العميق بين الدوليتين، وهذا سيؤدي إلى استنزاف القوة الصينية، خصوصا في الأسواق، وعدم فتح مجالات استثمار لها في الولايات المتحدة، والدول المتحالفة معها، أو التي تعلن إنها ضد برنامج كوريا النووي الذي تقف منه الصين موقف المؤيد، ومن ثم سينعكس هذا الاستنزاف على كوريا الشمالية ما يقود هذا إلى توتر العلاقات الدولية بين كوريا الشمالية والصين.

والدليل عل ذلك، توصلت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة إلى أن شظايا قد عُثر عليها من تجربة صاروخية أجرتها كوريا الشمالية احتوت أجزاء الكترونية، إما صينية الصنع أو تم الحصول عليها من خلال مؤسسات صناعية صينية. لذا فإن بإمكان الصين، عمل المزيد للالتزام بالعقوبات الخاصة بالنشاطات الصاروخية، كما يمكنها تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على بيونغ يانغ.

ثانيا: استنزاف كوريا الجنوبية: إذا كان موقف الصين غير واضح مستقبلا من الأزمة القائمة، وربما يكون ايجابيا لصالح الولايات أم لا، فان موقف كوريا الجنوبية واضح ولا لبس فيه، فمع بداية الأزمة تعمل الولايات المتحدة الأميركية على استنزاف كوريا الجنوبية، الخصم التاريخي لكوريا الشمالية، حليفة الولايات المتحدة الإستراتيجية، في تلك المنطقة، ومع تزايد الضغوط الدولية من جهة، والتهديد الكوري بالرد من جهة أخرى، ستعمل الولايات المتحدة على إشعار كوريا الجنوبية، أنها ستكون المتضرر الأول، إذا أعلنت الحرب، ومن هنا ستقدم كوريا الجنوبية كل قدراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والبشرية، من اجل دفع الخطر عنها، بدعم أميركي، وهذا ما يدفع إلى تقويض تلك القدرات مستقبلا،مع تزايد الخطر المحدق بها.
ثالثا: ستوجه الولايات المتحدة الأميركية رسالة للدول التي ما تزال تحتفظ ببرامجها النووية، بان قوتها العسكرية والاقتصادية حاضرة، وتعطي لهم مثالاً يمكن أن يقاس عليه، من خلال التجربة الكورية الشمالية، وهي في مضمونها دعوة تلك الدول، التخلي عن تلك البرامج تلقائياً، وبصورة سلمية دون الحاجة إلى التهديد بالقوة في المستقبل.

رابعا: تحييد دور الدول الأخرى غير المعنية بتلك البرامج والبعيدة كل البعد عن الأنشطة النووية،من خلال بذل جهودها لدعم قرار الولايات المتحدة، ووضع كوريا الشمالية، في موقف الطرف الضعيف، الذي يجب أن يكون منسجما ومتوافقا مع قرارات الأمم المتحدة،من خلال ما يصدره مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص.

خامسا: مع كل ما تقدم فان الحالة التي تشير إلى احتمالية قيام الحرب بين الطرفين لا يعني إنهاء وجود الزعيم الكوري الشمالي الحالي،بل تفكيك القدرات النووية الكورية فقط،والإبقاء على وجود الحكومة الكورية لتضعف تلقائياً مع مرور الوقت من خلال حالة حصار اقتصادي وسياسي وعقوبات دولية تصل بكوريا الشمالية إلى الانهيار في المستقبل مع العلم أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية، واسعة النطاق بالفعل، ولكن الالتزام بها ليس دقيقا.

إن المتتبع لازمة التجربة النووية الكورية،يجد أن الحالة التي تعيشها في ظل المجتمع الدولي حالة اللاسلم واللاحرب،وستكون عرضة لقرارات دولية يصدرها مجلس الأمن مستقبلا،بدعم وتنفيذ أميركي ينهي أية قدرات لها في ذلك المشروع، خصوصا بعد أن أيقنت الولايات المتحدة، جدية التجربة النووية الكورية، وخوفا من تحول المجتمع الدولي، في ظل تزايد مثل هذه المشاريع الدولية إلى تنامي القطبية المتعددة إزاء القطبية الواحدة التي تحارب الولايات المتحدة على إبقاء عليها حاليا باعتبارها التجربة الناجحة التي خرجت منها بعد حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي، فالولايات المتحدة لن ترضى بتلك التجارب والإجراءات التي من شانها، الدفع بتطور أية دولة سواء في جنوب شرق أسيا أو أفريقيا أو دولاً بعينها كالهند والباكستان،وسيكون هذا الإجراء والتهديد الأميركي باستخدام القوة تلميحا بصورة غير مباشرة لأية دولة تحاول تفعيل نشاطها النووي باعتباره خطا احمر للولايات المتحدة،وهي تحاول تدعيم رأيها عبر إطار قانوني يتمثل في قرار يصدر من مجلس الأمن لمحاسبة الدول التي تحاول القيام بأية إجراءات ذات طابع نووي بحجة تهديد السلم والأمن الدولي