اهتمام إعلامي ورسمي كبير، حظي به اللقاء الذي عقده مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. واحد أهم بواعث هذا اللقاء هو عنصر التوقيت، حيث عقد اللقاء قبل أسبوع تقريباً من القمة المهمة التي تلتئم على أرض المملكة العربية السعودية بين الرئيس ترامب وقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والقمة التي ستجمع الرئيس الأمريكي وقادة عدد من الدول العربية والإسلامية.

كما يكتسب هذا اللقاء أهمية إضافية في ضوء وجود موضوعات وقضايا تحتل أولوية استثنائية ضمن أجندة عمل قيادتي البلدين، ولاسيما ملفي الإرهاب وإيران، وهما ملفان يحظيان باهتمام استثنائي من جانب صانع القرار الإماراتي؛ حيث تنظر الامارات إلى الإرهاب باعتباره تحد عالمي يستحق ان يحظى بمزيد من الاهتمام. وقد كانت الامارات من الدول القلائل التي تنبهت لهذا الخطر الداهم مبكراً، وقبل سنوات مضت، وتعاملت مع خطر بروز الأطماع والمشروعات والمخططات السياسية لتيارات الإسلام السياسي بجدية وحزم بالغين، ولم تناور في هذه المسألة، كما لم تحاول استغلالها لتحقيق مصالح استراتيجية آنية أو ممتدة كما يفعل البعض في المنطقة وخارجها، كما تتميز دولة الامارات بالحفاظ على مبادئها والثبات عليها في هذا الملف الشائك، فهي أيضاً من دول العالم القلائل التي ترفض تماماً التعامل مع الميلشيات والجماعات والتنظيمات، ولا تستخدم أياً منها في تحقيق مصالحها، حرصاً من الإمارات على إعلاء مبدأ الحفاظ على سيادة الدولة الوطنية وعدم التفريط في ذلك مهما كانت الظروف والمغريات.

ولا شك إن إحدى الكوارث التي تسببت في تفشي فيروس الإرهاب في منطقتنا وانتشاره، هو الكيل بمكيالين في التعامل مع تنظيمات التطرف والإرهاب، وتصنيفها إلى "إرهاب جيد" و"إرهاب خبيث"، أو "متطرف" و "أكثر تطرفاً"، ووصف بعضها الآخر بالاعتدال لمجرد تمرير أجندة مصالحية معينة مرتبطة بعامل الزمن رغم الخطر البارز لذلك على المدى البعيد.

آلت الإمارات على نفسها منذ اضطرابات عام 0112 ألا تتعامل بأي شكل مع أنظمة الخراب والفوضى والوكلاء الإقليميين لدول إقليمية أخرى ممن يعيثون في بعض الدول العربية فساداً وإفساداً وتدميراً وتخريباً لحساب هذه الدول!

هذه هي بعض مبادئ الإمارات وثوابتها، فالإمارات أعلنتها صريحة منذ بداية الفوضى "الأمن القومي العربي جزء لا يتجزأ"، وأن أمن أي دولة عربية هو جزء من أمن دولة الامارات العربية المتحدة، وقد أكد هذا المبدأ غير مرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ومع الوقت نكتشف أن هذا المبدأ كان يمكن أن يغير وجه المنطقة ويحول دول الكثير من مظاهر البؤس والمعاناة والتشتت لو التزمت به جميع الدول العربية.

من هنا تأتي خصوصية اللقاء الذي جمع بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس ترامب، الذي يدرك أنه يتحدث مع أحد القادة العرب، الباحثين عن الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، والحريصين على محاربة الإرهاب بجدية لا تناور ولا تبحث عن مصالح ذاتية، لذا فإن اختيار توقيت اللقاء قبل أيام من الحوار الأمريكي ـ الإسلامي يمثل فرصة بالغة الأهمية للإدارة الأمريكية الجديدة للتعرف على وجهة لها مكانتها وثقلها الإقليمي والدولي بشأن سبل التعامل مع قضايا المنطقة المعقدة.

والحديث عن علاقات تحالف بين دولة الامارات والولايات المتحدة ليس جديداً، بل هو الإطار الرسمي الناظم لعلاقات البلدين الصديقين، ولكن من الضروري الآن أن ينقل العرب وجهة نظرهم الحقيقية تجاه الدور الأمريكي، لاسيما بعد سسلة الاحباطات التي غلفت هذا الدور في عهد الرئيس السابق أوباما.

أن يقول الرئيس ترامب عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إنه "شخص مميز ... أنا احترمه وقد عرفته محباً لوطنه واعتقد أنه يحب الولايات المتحدة الأمريكية" فهذا كلام موضوعي من رجل خبير بالتعامل الإنساني بحكم خلفيته الكبيرة في هذا الشأن كرجل أعمال له باع طويل في مجال الاقتصاد والتجارة، الذي لا يقل صعوبة وتعقيداً عن المجال السياسي. واحترام الرئيس الأمريكي لشخصية بأهمية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مسألة يدرك عمق أبعادها ومضامينها المتابعين لمواقف الإدارة الأمريكية، فالرئيس ترامب اعتاد أن يبعث رسائل افتراضية وأخرى صريحة تتصل بتعامله وانطباعاته عن القادة الذين يلتقيهم، بل يحرص على بث هذه الرسائل، الإيجابية والسلبية، مثلما فعل خلال لقاءاته الصحفية المشتركة مع بعض قادة الدول الكبرى، والتعليقات والصور التي ينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عقب هذه اللقاءات، وتصريحه المباشر بما يكنه من احترام للقائد الإماراتي، يعكس تقديراً لمكانة دولة الامارات في النظام الإقليمي الجديد، الذي يسعى الرئيس ترامب إلى بنائه في الشرق الأوسط، كما يعكس تقديراً شخصياً لشخص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي حرص على وضع بصمته الإنسانية على البيان الختامي، الصادر عقب المحادثات، والذي عكس حرص الجانبين على "بذل المزيد من الجهود لاحتواء الأزمات التي تشهدها المنطقة، والحد من تفاقم وتدهور الأوضاع الإنسانية فيها، ودعم أسس أمنها واستقرارها"، وهذه هي أولويات معلنة لسموه في كل المواقف والمناسبات، فهي القائد الحريص على وقف نزيف المعاناة الإنسانية في المنطقة العربية، وهو القائد الباحث عن تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

اللقاء الإماراتي ـ الأميركي يكرس مكانة الإمارات ويؤكد صواب رؤيتها الاستراتيجية الساعية إلى نزع فتيل الأزمات الإقليمية عبر شراكة فاعلة مع الحليف الأمريكي.