قبيل انتخاب الرئيس ترامب بـ أسبوعين فقط، توجه الأمير منصور بن ناصر بن عبدالعزيز إلى ولاية إنديانا ليلقي خطابه عن العلاقات السعودية الأمريكية بدعوة من معالي رئيس جامعة إنديانا عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية د. مايكل ميكرابي.

ولاية إنديانا التي جاء منها نائب الرئيس ترامب الحالي مايك بينس, وهو الذي كان قد افتتح مبنى الدراسات الدولية بجامعة إنديانا, والذي أقيمت للأمير منصور فيه مأدبة الغداء الشرفية مع ثلة من السياسيين الأمريكيين؛ كانت ولايةً مناسبةً للغاية, فهي تحتل مكانة رفيعة وتاريخية في إنجاب الجمهوريين على وجه الخصوص.

كان الأمير منصور في زيارته قادرا على إحداث الفرق الذي طالما تحدثه الدبلوماسية السعودية في مثل هذه المواقف، فقد تم استقبال الأمير عند سلم الطائرة الخاصة في مطار خاص بالمدينة من قبل عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ورئيس جامعة إنديانا؛مخالفا بذلك البروتوكول المتبع للجامعة، حيث كان قد هبط من قبل وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ليلقي خطابه عن الدبلوماسية الأمريكية في نفس المسرح الذي سيستضيف الأمير منصور في المساء، ولم يتم استقباله بنفس هذا المستوى الكبير.

كان على الأمريكيين حينها أن يكونوا في أعلى درجات الاحتياط، حيث إن حدوث أمر ما لن يكون جيدا لعلاقات البلدين خاصة وأنها تمر بمرحلة ليست توافقية آنذاك من نواحي عدة، ولذلك تم اتخاذ التدابير الأمنية بشكل كبير وغير مسبوق. فقد تم تكليف قوات مهمات خاصة مكونة من 17 فردا لتكون هي المسؤولة عن أمن الزيارة التي ستستغرق 12 ساعة.

وصل الأمير ومعه خطابه الموجز عن العلاقات السعودية الأمريكية فييوم كانت الظروف فيه بالغة الحساسية، فإدارة الرئيس أوباما وقتها والتي تبقى على رحيلها 14 يوما فقط لم تكن موفقة لسنتين قبلها في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط بالمنطلق الذي تراه المملكة، وجاء خطاب الأمير في وقت بالغ الصعوبة أيضا؛ فقانون جاستا تمت المصادقة عليه صدفة قبل الزيارة بأسبوع! مما دفع المنظمين للتساؤل عن إمكانية إلغاء الأمير للزيارة في ظل مثل هذه الظروف المتوترة.

لكن الأمير كان يعي أن الرسالة السعودية يجب أن تؤدى طالما سنحت الفرصة، وجاء خطابه في مسرح جامعة إنديانا بلومنغتنالشهير باستضافة كبار الساسة الأمريكيين ثاقبا وتنويريا للغاية كما وصفه الأمريكيون في اليوم التالي.

بدأ الأمير خطابه أمام الحضور الأمريكي والذي تم دعوته بعناية فائقة باستعراض تاريخي لمرحلة علاقات البلدين الناشئة منذ عام 1945.وحينها طرح الأمير كلمة السر السعودية قبيل الانتخابات الأمريكية، حيث قال الأمير بأن علاقات البلدين لا ولن تتأثر بمن تحدده الانتخابات، فعلاقة المملكة ثابتة وعمادها هي الشراكة الاستراتيجية التي لا تتأثر بتعاقب الإدارات الأمريكية على البيت الأبيض.

ظل الأمير يطرق في خطابه على وتر المصالح المشتركة، كتلك التي جمعت البلدين في تحدي المد الشيوعي والتصدي له في الماضي، ليصل في خطابه إلى ما يجمع البلدين اليوم في مستوى التحدي المشترك ولكنه اليوم باتجاه الإرهاب والتطرف والعنف.

وكان عليه أيضا أن يكرر شجب المملكة لقانون جاستا، فتلا نصا تصريح مجلس الوزراء السعودي عن قانون جاستا المتضمن قلق المملكة البالغ من دواعي القانون الذي يضر بسيادة الدول ومن بينها الولايات المتحدة نفسها. كما امتدح الأمير مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة ومكافحة التطرف، تنويها على جهود المملكة في مكافحة التطرف والذي يأتي على نفس المستوى من التهديد المشترك لكلا الجانبين، ثم اختتم بتعليق متفائل عن رؤية المملكة 2030 , وما ستوفره من فرص اقتصادية للجانبين.

حمل خطاب الأمير في المحصلة ما يوحي بقرب انفراج الأزمة بين الرياض وواشنطن بعد رحيل أوباما، حيث مسوغات التعاون أكثر من بواعث الخلاف، وها هو الرئيس ترامب اليوم في الرياض.

كاتب سياسي- الولايات المتحدة