" العدوَّ الحقيقيّ كمثل الصّديق الحقيقيّ: لا يتخلّى عنك"
أدونيس


من البدهي أن الذي يقتل الرُسل لن يكون صعباً عليه قتل غيره ممن يراهم خصوماً أو أعداء له، أو حتى قتل كل ما هو جميل وبهي، طالما استساغ فلسفة سفك الدماء، سواءً أكان من خلال المشاركة بها أو الدعوة إليها، والمقصود بقاتل الرسولة هو المتهم بقتل بلقيس حسب ما جاء في ختام قصيدة الشاعر السوري نزار قباني "قتلوا الرسولة.. قتلوا الرسلوة" ولعل متابعو القضية على علم بأن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي هو من اتهم بالمشاركة في تفجير السفارة العراقية عام 1981، إذ سبق لمصدر قضائي لبناني أن أشار إلى أن المحامي اللبناني طارق شندب تقدّم أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت بشكوى جزائية بحق المالكي، مطالبًا بتوقيفه لاتهامه بالمشاركة في تفجير السفارة العراقية في بيروت بـ: 15 كانون الأول 1981، وهو التفجير الانتحاري الذي أدى إلى مقتل أكثر من 60 شخص بينهم بلقيس زوجة الشاعر السوري الراحل نزار قباني، ولعل كل عشاق قصائد نزار قباني في الوطن العربي على اختلاف مشاربهم وطوائفهم يلعنون ليل نهار كل مَن تسبب بمقتل الرسولة التي كانت من بين من قضوا في السفارة العراقية ببيروت آنذاك. 
وعدا عن قتل الرُسل فإن الحرب التي ينوي المالكي شنها ضد الكرد مجدداً ليست الأولى من نوعها، وذلك من خلال تهديده الأخير ورغبته الجامحة باستخدام القوة ضد اقليم كوردستان ورئيسه بقوله "إن اقتضى الأمر يجب أن يُردع البارزاني أي الإقليم بالقوة" باعتبار أن البارزاني رئيساً للإقليم وبمثابة الرمز للإقليم، وذلك تعبيراً عن معارضته الشديدة للاستفتاء الذي أزمعت القوى السياسية والمجتمعية في الإقليم على إجرائه، ويبدو أن المالكي كسلفه صدام يحن في دخيلة نفسه حتى إلى استخدام الكيماوي ضد الكرد لو استطاع إلا ذلك سبيلا، وربما بتصور السيد المالكي أن على الكرد أن يستجدوا منه حق البقاء داخل بيت طاعته السلطانية، والعيش كأخوة صغار لا حول لهم ولا قوة تحت رحمة الأخ الكبير الذي يحق له العسف بهم أو الحنو عليهم متى ما أراد.
عموماً فهذا التهديد والوعيد والخناق الاقتصادي للكرد سبق أن قام به المالكي حيث ذكر أحد البرلمانيين الكرد في 18/05/2014 لموقع (عينكاوا كوم) "أن الحرب الاقتصادية الممثلة بقطع رواتب الموظفين لنوري المالكي على إقليم كردستان كانت أشد من الحرب العسكرية التي شنها على الكرد رئيس النظام البعثي البائد صدام حسين" حيث رأى ذلك البرلماني بأن الحصار الاقتصادي لحكومة المالكي على الإقليم كان أشبه بما فعله صاحب مسلخ الأنفال ومجزرة حلبجة.
وبخصوص اتهام المالكي للاقليم بالتعامل مع إسرائيل يقول المثل العربي "رمتني بدائها وانسلت"، وهو مثل يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه، فيلقي شوائبه على الناس ويتهمهم بها، وبذلك يحاول أن يُخرج نفسه من الموضوع عبر آلية رمي تهمته إلى ديار الآخرين، وفي هذا الصدد نشر موقع اسمع "وكالة الأخبار العراقية" خبرا "في منتصف الشهر الثاني عشر من عام 2013 عن مشاركة أحمد نوري المالكي نجل رئيس وزراء العراق ضمن فعاليات مخيم للشباب والذي أقيم في صيف عام 2013 في مدينة نهاريا في إسرائيل بمشاركة عدد من منظمات شبابية عالمية"، وأردفت الوكالة قائلة "إن هذا التمثيل لأحمد كان مجرد تمثيل لنوري المالكي وحزبه، وهو يعكس الوجه الطبيعي والحقيقي للقيادة الفاسدة التي تحكم العراق".
أما فيما يتعلق بدفاع المالكي عن الحشد الشعبي الذي بات كتنظيم داعش سجله مليئ بالجرائم المروعه بحق العراقيين، فيفتخر الملكي قائلاً "بأن الحشد محسوبٌ عليه، وأنه هو من أسّسه، وهو من دافع عنه وتبنّاه، ولديه اعتقاد بضرورة وجوده، والإبقاء على كيانه" مؤكداً أن "استهدافه في العراق يعني استهداف الحشد الشعبي، واستهداف الحشد يعني استهدافه هو"، ويتابع المالكي قائلاً: "أوصلنا الأمور لتشريع قانون يحمي وجود الحشد الشعبي ليبقيه كمؤسسة، فالحشد حسب تعبير المالكي إذا بقي كمؤسسة سيبقى على الخط والالتزام، لأنه لن يدمج، وإذا دمج الحشد مع أجهزة الجيش والشرطة فتلك نهايته" حسب تعبيره، مؤكداً نحن ضغطنا حتى لا يتمكّن أي رئيس حكومة، أو غيره، سواءٌ الحالي أو المقبل، من أن يلغي الحشد" فيبدو أن المالكي يفكر ملياً بأن يجعل من الحشد الشعبي لاحقاً دولة داخل دولة العراق، بحيث حتى وإن استقر الوضع الأمني فيكون الحشد هو الذراع الضارب والأقوى في عموم العراق، فيكون بيده الحل والربط والسلطة والسطوة ليتحكم ويتدخل في كل شاردة وواردة كما هو حال حزب الله البناني الذي شكّل دولة داخل دولة لبنان، ولكي يكون القارئ على دراية بوضع حزب الله في لبنان، نورد له بعض ما كتبته عن سطوة حزب الله الكاتب نبيل العدوان في العدد: 3383 - 2011 / 6 / 1 من الحوار المتمدن: والقائل: "إن حزب الله هو الدولة ضمن دويلة لبنان، فهو له القرار ويحكم ويرسم ويتخذ قرار السلم والحرب وهو من يسقط الحكومات ويعطل المحاكم ويغتال من يغتال، وهو من يستطيع إثارة الفتن واشعال شرارة حرب اهلية داخلية كما حصل ب 7 ايار 2008، وله الحق في أن يخوّن الآخرين ويستطيع إيقاف أي قرار تتخذه الحكومة إذا تعارض مع مصالحه الايرانية، وهو يشكل الحكومات وبموافقته تتم التعيينات، وهو يغلق ويقطع الطرق متى شاء، وهو من يستطيع ان يعلق البرلمان ويقفل أبوابه، وهو من يستطيع إثارة البلبلة والاعتصامات والاحتجاجات ويستطيع أن يبدا التمرد، ببساطة حزب الله هو الدولة، وله الكلمة الاولى والاخيرة، وهو من يختار أصدقاء وأعداء لبنان وهو يتحكم بسياسة لبنان الداخلية والخارجية وبالتعيينات والتشكيلات الوزارية والقضائية والحكومية والادارية" ويظهر أن المالكي معجب إلى حد التماهي بسطوة حزب الشيخ حسن الذي يعتبر نفسه فوق المساءلة وفوق القانون والدولة ككل، لذا يود المالكي تكرار واستنساخ تجربة حزب الله اللبناني في العرق أيضاً.
عموماً يبقى أن نجاح تجربة الإقليم رغم الإمكانيات المحدودة مقارنةً بالإمكانيات الهائلة للحكومة المركزية التي أثبتت فشلها منذ سقوط نظام البعث إلى تاريخ اليوم، هو موضع حسد وغيرة وغيظ ليس لدى المالكي وحده، إنما لدى كل من كان على شاكلته ممن أوصلوا العراق إلى هذا الوضع المزري، وللذين يغيظهم نجاح الآخرين وتميزهم، يكفي للإقليم أن يستمر في تطوره ونموه، ويظل أفضل جواب لمثل هؤلاء المبغضين هو تحقيق المزيد من النجاح والتطور والإصرار على النمو والإزدهار، ولا بأس بتذكير هؤلاء المتربصين بالإقيلم وناسه كل حين بقول أبو الأسود الدؤلي: "حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم" كما يليق بهم والواقع الذي هم عليه إيراد قول الإمام علي ابن أبي طالب: "واصبر على ظلم السفيه وللزمان على خطوبه". 
وفي الختام فبالنسبة لأناس الإقليم وقيادته السياسية فلاشك بأن أهل الإقليم بعد التاريخ الحافل بالتضحيات وعقود العسف والجور والبطش قد خبروا جيداً كنه أهل السخائم ممَن يتحينون الفُرص لإلحاق الضرر بالإقليم، أو تشويه صورة الإقليم أو رئيسه أي بهيٍّ فيه، لذا مِن الغباء أن ينتظر أي نفرٍ من سكان الإقليم أي اعتراف من هؤلاء على جميلٍ صنعه الإقليم يوماً معهم، سواءً أكان المالكي أم أحداً من رهطه، أو من هم على مقاسه وهواه، إذ من الصعب للذي يكن الحقد العرقي أو الطائفي أو الأيديولوجي للآخر بأن يشيد بدور أي نبيلٍ منهم، أو ينوّه إلى الجوانب المضيئة لأحدهم، لأن الحاقد لا يقدر على الإقرار بوجود أي بهيٍّ في ربوع مَن يكن بغضاً تاريخياً عليهم، أما بخصوص الظروف العصيبة التي يمر بها الإقليم، وكذلك الأيام الحالكة التي سيمر بها كلما خطا بخطواتٍ جادة نحو الاستفتاء وحق تقرير المصير، نضع ما قاله الكاتب الأمريكي توماس كارليل في متناول القراء وقيادة الإقليم وشعبه في السطر الأخير من المقالة حيث يقول: "لا تبدأ النجمة الخالدة بالتألق إلا مع اشتداد الظلمة".