ربما لا تحتاج القيادة القطرية في الوقت الراهن أكثر من المصارحة مع الذات، ومحاولة تبديل الكرسي وتفهم وجهة النظر والمطالب، التي اعتبرتها "وصاية على القرار القطري"، لعلها تفيق من الغي والوهم وخداع الذات، وتدرك أنه لا أحد يريد فرض الوصاية على قطر أو غيرها من الدول، وأن جميع دول مجلس التعاون من مصلحتها العيش في هدوء وأمان وسلام. نحن في دولة الامارات وأشقائنا في بقية دول مجلس التعاون ندرك جيداً أهمية الأمن والاستقرار، بل ربما نحن أكثر حساسية لهذا الموضوع من غيرنا من الدول والشعوب، لأن لدينا سباقاً تنموياً تنافسياً عالمياً شرساً يستنزف مجمل وقتنا وجهودنا واستثماراتنا، فلا وقت لافتعال الأزمات مع أي طرف إقليمي أو دولي، ناهيك عن أن يكون هذ الطرف عضو في مجلس التعاون، بما يمتلكه هذا المجلس من خصوصية ثقافية بين شعوبه ودوله قطر.

الأمر إذن يتعلق بجلسة مصارحة ومكاشفة مع الذات كي تتوصل القيادة القطرية إلى أبعاد ما يدور من حولها، وتدرك أنه بالإمكان خداع بعض الناس بعض الوقت ولكن من المستحيل خداع كل الناس طول الوقت!! فلحظة الحساب كانت آتية لا محالة، سواء صدرت تصريحات أمير قطر، أم لا، فالمنطقة الآن في مفترق طريق حقيقي يستوجب فتح صفحة جديدة تقوم على المصارحة والصدق، ولم يعد هناك مجال لغض الطرف عن ممارسات المخاتلة والمخادعة، فالخطر الذي يحيق بالأمن القومي الخليجي والعربي قد وضع جميع القادة أمام مسؤولية تاريخية: إما أن يؤدوا واجبهم ويتصدوا لمصادر الخطر والتهديد، أو يقبلوا بمصير شعوب عربية لم يعد للملايين من أبنائها مكان على الأرض التي ولدوا وترعرعوا فيها!!

الوقت ليس في مصلحة قيادة قطر تماماً، ونزيف الخسائر المترتبة على مواقف القيادة القطرية داهم ويمكن أن يتواصل فيصبح بمنزلة انتحار سياسي لا نقبله للشعب القطري حتى وإن ارتضته قيادته له، ومن ثم فعلي القيادة القطرية أن تدرك أنه ليس من المنطق أن تضحي بشعبها في سبيل حماية زمرة الإرهابيين المخربين الذين تأويهم، والاستمرار في شق الصفوف والرهان على تنظيمات الإرهاب وحماية مزعومة مع الملالي!! وليتصور أصحاب القرار في الدوحة، ولو للحظة، وقوع خلاف مع ملالي إيران، فمن يجيرهم في تلك الحالة من طغيان الملالي وشرورهم؟!

على القيادة القطرية أن تدرك أيضاً أنه ليس من العيب التراجع عن الأخطاء في حال اكتشافها، ولكن العيب هو التمسك بالعناد والغرور ورفض الاعتراف بالواقع والمنطق، فالمسألة تتعلق بمصالح دولة وشعب ولسنا في صراعات شخصية أو أزمات فردية، فالشخصنة بعيدة تماماً عن هذه الأزمة، ومن ثم ليس على القيادة القطرية سوى الاعتراف بفشل المشروع القطري الذي تم الرهان عليه لسنوات طويلة، ومن ثم العودة إلى الصواب، والتصرف وفق ما يمليه المنطق والعقل في مثل هذه الظروف.

من العيب أن تستمر دولة من دول مجلس التعاون في العمل وكيلة لجماعات إرهابية، أو لنظام معاد فاقد للأهلية ويكن حقداً دفيناً ضد شعوب مجلس التعاون، بل وينتظر اللحظة التي ينقض فيها على مكتسبات هذه الشعوب!!

قلت في مقال سابق أن أحد تفسيراتي لموقف القيادة القطرية يتمثل في أنها تورطت مع عصابات الاجرام وتنظيمات الإرهاب لدرجة بات من الصعب عليها التراجع، ناهيك عن اتخاذ إجراءات عقابية ضد هذه التنظيمات، فالتراجع في هذه الحالة ربما يعني فضح الأسرار وكشف ما كان يدور وراء الكواليس، لاسيما أن ما تم الكشف عنه حتى الآن، يؤشر إلى كوارث ومصائب ارتكبتها القيادة القطرية على صعيد تمويل الإرهاب وتنظيماته!! الوقوع في فخ التورط صعب ومكلف وشائك ومعقد، ولكن الأصعب منه هو الاستسلام لهكذا وضع سينتهي حتماً بمزيد من الكوارث، التي ستقع على القيادة والدولة والشعب القطري من خلال عصابات الإرهاب وتنظيماته ورعاته الإقليميين!!

على القيادة القطرية أن تنتبه إلى أن الدرس قد انتهى، وأنه لا عودة إلى الوراء ولا مجال للإفلات من لحظة الحساب والعودة إلى الممارسات السابقة، فهذا التفكير سيجلب على القيادة القطرية ما هو أسوأ، وعليها أن تدرك أيضاً أن ملالي إيران لن يقدموا الكثير لدعمه، فعيون الملالي شاخصة تنتظر، وأطماعهم ليست بعيدة عن الغاز والثروات القطرية، وتنظيمات الإرهاب تنتظر هي الأخرى لحظة السقوط كي ينهبوا ما يستطيعون حمله من ثروات والذهاب بها إلى موطن آخر ليكرروا لعبتهم!

البعض يعتقد أن القيادة القطرية يمكن أن تفلت من لحظة الحساب بوساطة خليجية تجري حالياً، ولكن على هؤلاء أن يدركوا أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وأن فكرة توقيع اتفاقات قابلة للتملص والتهرب باتت من الماضي، فالقيادة القطرية الآن ستوضع امام مسؤولياتها، ولن يكون هناك مدى زمني لتنفيذ ما يتم عليه من التزامات، والوسطاء الخليجيين أنفسهم يدركون مدى تلاعب القيادة القطرية، ولا يريدون التورط في حرج جديد، ولكنهم يعلمون انطلاقاً من حرص عميق على وحدة الصف الخليجي وضرورة لملمة أي خلافات داخل البيت الواحد.

تدرك دول المقاطعة والحساب أيضاً أن مواقفها له فاتورة سياسية واقتصادية، فليست قطر هي الوحيدة المتضررة من هذه القرارات، التي لم يكن هناك بد منها، فهي قرارات موجعة ولكنها مطلوبة وبإلحاح، ومن ثم فلن تكون هناك فرصة لتكرار التلاعب والخداع الذي مارسته القيادة القطرية من الاتفاق السابق، الذي تعاملت فيه السعودية والامارات وفق مبدأ حسن النوايا.

والأهم من كل مما سبق، برأيي، أن على القيادة القطرية أن تدرك أيضاً ان الإجراءات التي اتخذت حتى الآن ليست نهاية المطاف، بل هناك أوراق وإجراءات أكثر إيلاماً للقيادة نفسها، لاسيما ما يتعلق بعملية التغيير السياسي في قطر، وهي عملية مطلوبة لمصلحة الشعب القطري أولاً وشعوب دول مجلس التعاون ثانياً، ولكن التدرج جاء ليوفر فرصة ثمينة للقيادة القطرية لتصحيح المسار، فهل تقرأ المشهد جيداً قبل فوات الآوان؟!