لنختلف ما شاء لنا الاختلاف في شئون السياسة والمجتمع والناس والعالم، نتجادب لنتنافر، ونتنافر لنتجادب، ذلك من قوانين الوجود والطبيعة، إنها التعددية والأخذ والعطاء في الجدل والحوار، كل ذلك مطلوب ومرغوب..لكن: لا وألف لا للمتاجرة باسم هذه الدولة أو تلك، والزج بكبريائها ومنظومتها القيمية، وإلقاء الاتهامات الجزافية ترويعا وترهيبا..
إن إلغاء الآخر مرفوض، وإقصاء المختلف ممقوت، والتشكيك في وطنية هذا أو ذاك..عمل بغيض. فالذي يحب بلده.. يفعل، يخدم، يعمل، يفكر، يخطط، يعمر، يبتكر، يقترح، يضيء شمعة، يخطو للأمام، كفانا ثرثرة، كفانا شوشرة، كفانا جلدا للذات.. نعم..فلنفعل.. الفعل... الفعل.. الفعل..
أقول قولي هذا وأنا أحدق في الخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية في عالمنا العربي.. إنها تحتاج انتزاع الأقنعة.. اللغة قديمة.. بالية.. حروفها ضائعة.. لاتواكب الفكر الجديد، أو يفترض أنه جديد.. واللغة والفكر لاينفصلان، فأي تغير في الفكر يؤدي إلي تغير في اللغة والعكس صحيح، فاللحظة الراهنة في المشهد العربي تحتاج إلي تجديد في الخطاب.. وتثوير في مفرداته، وتنوير في معانيه.. حتي لايظل حالنا كحال ذلك الرجل النحوي حين وقع في حفرة فتجمع حوله المارة لإنقاذه، فإذا به يخاطبهم علي طريقته: »مالكم تكأكأتم عليَّ تكأكؤكم علي ذي جنة، افرنقعوا عني« (!) فلم يفهموا عبارته ولغته فانصرفوا عنه ساخرين!.
هاهم مشايخ الطرق السياسية، أنعيهم - وسأظل أنعيهم- انهم يرفعون «البيارق» المزركشة. ويثرثرون.. ويلوحون بالأوهام، لا تعثر في خطابهم علي رؤية واضحة أو جملة مفيدة أو معني محدد أو فكرة مضيئة، يستدعون لغة بائدة.. مهترئة.. لغة سياسية هوائية خاوية علي عروشها.. وأمها هاوية..! يبحثون عن زعامات وهمية.. يتحجرون في كهوف المصطلحات الزئبقية، والتعبيرات الجاهزة ينفثونها علي صفحات الصحف والفضائيات، عاشوا منذ سنوات - ولا يزالون - علي اوجاع الناس وهموم المجتمع، ويريدون الاستمرار والابتزاز والاهتزاز بخطاب عتيق مفرغ. 
إنهم مشايخ الطرق السياسية.. هم السبب الجوهري الذي يجعل اللحظة الراهنة في المشهد العام لا تزال متلعثمة الخطى، كثيفة الضباب، ثقيلة الوقع، حتي لتكاد تحجب البصر، وتغشى البصيرة، إلا على من يمتلك عيون وحدس« زرقاء اليمامة».
عن أية قوى سياسية تتحدثون أيها الساسة؟.. قوة البلطجة السياسية والدينية والقانونية والديمقراطية؟ 
قوة بلطجة الفوضي الخلاقة في الشرق الأوسط الذي صار «الشر... الأوسط»؟.. قوة الذين يتعاملون ويعملون علي أن كل دولة من دولنا العربية لعبة وعزبة وتكية، وقبيلة في صحراء جرداء، فما لهؤلاء القوم لا يفقهون واقعا؟.
في أي عصر من التاريخ أنتم تعيشون؟ وأية قوة أنتم تمثلون؟.. أهو زمن القوة، قوة الذراع والعضلات والصوت العالي الأجوف؟
أية قوي هذه التي تتصارع سرا وعلانية وتتخذ منا الشعوب العربية حقل تجارب؟.. أهي قوة البترودولار وشراء الأنفس والفضاء؟.. قوة الابتزاز والاهتزاز؟..قوة اللغو واللهو والثرثرة؟ قوة الصراخ والصداع والصراع؟ قوة الدجل الفكري والشعوذة السياسية؟..قوة القفز والرقص علي كل الحبال؟.. قوة الفتونة والإجرام والبلطجة؟.. قوة العبث بمقدرات الناس؟ قوة هدم الذات العربية؟.. قوة إضعاف الروح التي تشبثت بالحياة الكريمة المفترضة؟.. قوة خدمة المصالح الخارجية؟..قوة الأجندات التي تجعل الأعمي ساعاتي؟.. قوة شد المجتمع إلي الوراء والعودة؟ قوة الشيكات الموقعة علي بياض؟.. قوة الألسنة المبرمجة بدعوات خارج العصر والتاريخ والجغرافيا؟..قوة محاكم التفتيش في ضمائر الخلق؟.. قوة حرق المراحل التي تسفر عن حرائق لابد ان تتم؟.. قوة إخراج الألسنة بلا حياء أو خجل، في وجوهنا من قبل المتلسنين بمصطلحات انقرضت منذ زمن بعيد؟.. قوة التلاعب البغيض بالبسطاء دينيا ودنيويا؟.. قوة اللاعبين بالبيضة والحجر أمام الأعين لا بعد الإدبار؟.. قوة الذين تسكرهم الدماء والاشلاء علي طريقة «تمر بك الأبطال كلمي هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم»؟.. قوة استفزاز الباحثين عن كسرة خبز؟ قوة لظي العطش لشربة ماء؟ قوة أحزاب وهمية ديكورية خشبية بلاستيكية؟.. قوة وسائل إعلامية خاوية علي عروشها إلا من الضجيج عل طريقة جوبلز هتلر«اكذب اكذب اكذب حتى تصدق نفسك؟.. قوة كميات ممن يسمون أنفسهم - بلا حمرة خجل - مستشارين وخبراء وناشطين وعلماء ودعاة؟.. قوة أبي جهل، وأبي لهب، على طريقة ثكلتك أمك؟. 
أفتونا أيها الملأ إن كنتم للواقع تقرأون.