الذين ينفثون في عقدة الخليج الراهنة.. واهمون!
تفكيرهم إلى اللامعقول.. أقرب!.
صراخ وصداع وصراع.. غير مبرر في التهويل!
وما هذه الأزمة إلا زوبعة في فنجان مقلوب..!
فمصالح الناس في الخليج متشابكة معقدة مشتبكة..
نعم.. أقول قولي هذا وأنا الذي عشت في منطقة الخليج حوالي 26 عاما متواصلة، تحركت فيها في عشرات الصحف والمجلات، وأتاح لي هذا الحراك الصحفي الحثيث إبداع علاقات سياسية واجتماعية وثقافية وعامة طويلة العمر، وعميقة الرؤية، وواسعة المنظور.
كم من أزمات مرت بمنطقة الخليج.. كادت أن تعصف حتى بثوابت العلاقات الخليجية، فما استطاعت أن تفعل إلا أن تعود العلاقات أكثر مما كانت..
ثوابت المنطقة أكثر من متغيراتها.. الشعوب في الخليح أقوى من الحكومات.. هي شعوب أقوي وأشد بلغتها وتاريخها وجغرافيتها وثقافتها وأصالتها ومكوناتها وجذورها التي ليست في الهواء.. لذلك يمكنك أن تقول إن منطقة الخليج هي شعب واحد.

الثقافة أسبق من السياسة في الخليج.. السياسة متغيرة ومؤقتة وأحداثها موسمية عارضة مهما كانت عاتية، والثقافة بالمعنى الواسع هي مصدرية لا تقبل المساس، ومرجعية عرفية ومعرفية وأخلاقية وجمالية تأبى المساومة.
الأنظمة السياسية في الخليج لا تستطيع أن تطغى على الأنظمة الاجتماعية، ولا تملك أن تتجبر على البني الأساسية للمكونات الخليجية بقواسمها المشتركة.

أقول من واقع تجاربي وخبراتي في المنطقة: 
ارفعوا أياديكم عن أزمة الخليج.. اتركوها تحل نفسها بنفسها.. لا تجعلوا من أنفسكم أوصياء على دول الخليج..لا تنتهزوا الفرصة فما أنتم بأرحم منهم على أنفسهم..لا تشعلوا النار بكبريت المودة المصطنعة..لا تنفثوا في هذه العقدة فما هي بمستحكمة.. ولن تكون.. ولا ينبغي.. وسترون قريبا.

متى كان الغرب رحيما بالشرق؟ لا آعمم ولكني أشير إلى الكوامن والنيران تحت الرماد..
متي كانت امريكا وغيرها من الدول الاستعمارية التي أذلت دولنا العربية.. ممتلئة بهذه الرحمة؟.
ما كل هذه الهرولة نحو الخليج؟ 
ما كل هذا اللهاث؟ 

نعم.. المصالح تصالح.. فعلى الذين ينسون ذلك أن يتذكروا أنهم يسقطون في جب العدم.. 
الخليجيون رحماء بأنفسهم.. يحلون مشاكلهم بطريقتهم، بأسلوبهم، بلغتهم، بتراثهم، بثقافتهم.
كل التدخلات في المشهد الخليجي الراهن.. غير مجدية.

كل الأيادي الأجنبية الممدودة تخفي وراءها أشياء وأشياء.. والخليجيون يدركون ذلك.. ويدركون جيدا أن قوة القبيلة الواحدة في منطقة الخليج أقوى من أية دولة عظمى في العالم، فالقبيلة في المشهد السياسي الخليجي لم تكن قط ظاهرة انغلاقية سلبية، ولم تكن دائرة مغلقة على ذاتها، بل تمكنت من احتواء القبيلة بسلام اجتماعي في ظل الدولة العصرية القائمة على المصلحة العامة والمرجعية المؤسسية وسيادة القانون، فالقبيلة هي النواة الأساسية المكونة للدولة العربية، القديمة منها والحديثة، وبشكل أو بآخر، تناغمًا مع الرؤية بأن المهارة في مراعاة مصالح القبائل هي الأساس في الفكر السياسي للزعماء العرب، وأن التسيير الذاتي الملازم للقبائل يعفي الدولة من تولي مهام عديدة، ولاتزال القبيلة موجودة في المشهد العربي، باعتبار أن تقاليد القبيلة والقرابة والنسب تشكل ركائز ثابتة في الأنظمة السياسية العربية، وأن العلاقة العضوية بينها يتوزعها محوران كبيران، الأول: محور الدولة الحديثة التي أقيمت على قاعدة زعامة سياسية. والثاني: محور الدولة الحديثة على قاعدة الغلبة للقبيلة أو العائلة الأقوى التي لعبت الدور الأساسي في قيام الدولة الحديثة في بلادها.. 
فهل من مدكر؟
أكرر.. ارفعوا أياديكم عن أزمة الخليج الراهنة مهما كانت درامية ودامية.