١٥٠٠ عام ومصر يحكمها “كل من هو غير مصري”، ١٥٠٠ عام وخيرات مصر ليست لها، ١٤٨ عام و مصر يتوارث حكمها الاسرة العلوية ذات الأصول الألبانية و التي أسسها محمد علي باشا من الباشوات والخديويات من نواب السلطان و التي حكمت في مصر تحت السلطة الاسمية للعثمانيين، و كانت تدار من فراش النساء حسب روايات التاريخ ما بين ١٨٠٥ و ١٩٥٢ ميلادية. اسرة علوية افلست مصر مما أدى إلى تزايد نفوذ الدائنين الأوروبيين في البلاد والتدخل في شئونها الداخلية. اسرة علوية اتفقت مع بريطانيا في عام 1840م، ضمن معاهدة لندن، التي سمحت ووفرت لمحمد علي طلبه الوحيد بخصوص توريث سلالته الحكم، ماعدا الأراضي في بلاد المشرق. فحكم مصر اسماعيل باشا وتوفيق باشا وابراهيم باشا وغيرهم الي الملك فاروق في حين اغلب الشعب المصري سخرة في مقام العبيد. وكافة المشاريع التي اقيمت في عهدهم كانت لخدمة خطوط التجارة لبريطانيا وتسهيل حركة الانتقال الي المستعمرات وتأمينهم.

حُكمت مصر أقوى وأكبر دولة في الشرق الاوسط بالملكية الفاسدة المطلقة من سلالات غير مصرية وباتفاقيات بريطانية مخزية، الي أن جاء ابناء مصر الاحرار من ضباطها في ثورة اقتلعت الفساد ومنحت الشعب المصري لأول مرة تاريخيا حق حكم بلادهم وحرية قرارهم.

 ثورة انطلقت من اعماق شعب مصر المؤمن بترابها وقدراتها ودورها، ثورة هادرة من المحيط الي الخليج في زمن لم يكن لدويلات ومناطق رملية الا تواجد استعمار بريطاني او فرنسي، وبعض من قوارب خشبية ونقاط مراقبة.

خرج المارد جمال عبد الناصر مشرقا شمسا جديدة على بلاد عهدت الظلام والاستعباد والمستعمر وشلة انتفاعية لا تتجاوز ثلاثة بالمئة من شعب مصر تتحكم في خيرات مصر واقتصاداتها و مياهها و ثرواتها، توزع علي انفسها مناصب الوزارات و القاب الباشوات و تستجير و تسخر العمالة المصرية في الفلاحة و الصناعة وتتآمر مع المستعمر البريطاني و تعيش بذخ الحياة علي حساب الشعب المصري و تقتصر دخول الجيش علي ابناء العائلات وتحرم المصريين الفقراء و ابناء الطبقات الكادحة من الجامعات.

قامت الثورة المصرية لاستمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية، ولقيام اضطرابات داخلية وصراع دموي بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي ولقيام حرب فلسطين وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم السالحة الفاسدة والهزيمة، عرضت قضية جلاء القوات البريطانية على هيئة الأمم المتحدة ولم يصدر مجلس الأمن قرارا لصالح مصر ، تقليص حجم وحدات الجيش الوطني بعد فرض الحماية البريطانية على مصر وارسال معظم قواته الى السودان بحجة المساهمة في اخماد ثورة المهدي، اغلاق المدارس البحرية والحربية، وسوء الحالة الاقتصادية في مصر ،والظلم وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب وسوء توزيع الملكية وثروات الوطن، وسفاهة حكم الملك فاروق وحاشيته في الانفاق والبذخ على القصر وترك الشعب المصري يعاني. واتت الثورة بمبادئها الست، القضاء على الاستعمار، القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، القضاء على الإقطاع، إقامة جيش وطني، إقامة عدالة اجتماعية إقامة حياة ديمقراطية سليمة. 

منحت الثورة التعليم المجاني واقامت المستشفيات الحكومية والاصلاح الزراعي الذي رفع الرقعة الزراعية لتصبح مليون فدان، وقامت ببناء مصانع الحديد والصلب وتشييد السد العالي الذي يعتبر رمزا لطاقة المصريين، وشاهدا على العطاء، وملحمة التحدي والإصرار في مواجهة الاستعمار ووكيله “البنك الدولي”. وساهمت الثورة في ضمان الحريات والحقوق الاجتماعية للمرأة.

السد العالي قدم الكهرباء والطاقة لمصر، وحفظها من الفيضانات، ووفر لمصر رصيدها الاستراتيجي في المياه، وخدم الصناعة والزراعة وتطويرهما، خصوصا وان السد العالي صمم بحيث يكون أقصي منسوب للمياه المحجوزة أمامه 183 مترا وبسعة البحيرة التخزينية عند هذا المنسوب 169 مليار متر مكعب. و لعل من اهم قرارات الثورة تأميم قناة السويس ، و إعادتها الي مصر ، والتي تم بنائها بعرق المصريين و جهدهم و الاف الشهداء ممن توفوا اثناء حفر القناة و كانت تستنزفها فرنسا و بريطانيا.

كانت ثورة يوليو التي قادها الزعيم جمال عبد الناصر بابا لثورات ضد الاستعمار البريطاني والايطالي والفرنسي في منطقة الشرق الاوسط، وساهمت في تحرير الشعوب العربية والافريقية من أنظمة فاسدة وأسس عبد الناصر وسوكارنو و تيتو حركة عدم الانحياز، وسعت جهود عبد الناصر للتصدي للاستعمار في أفريقيا وآسيا وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي.

ازعجت الثورة الرجعية العربية ورموزها في منطقة الشرق الاوسط، وتآمر عليه بعض من حكام العرب بالتعاون مع الاستعمار البريطاني والفرنسي لأنه رفض الخنوع والاستسلام وكان محررا، قائدا فذا شعبيا عاش ومات وناضل لأجل وطنه العربي، ووضع مصر وفلسطين نصب عينيه زعيما لا يماثله أحد. فقرر الغرب كسر شوكة مصر وهزيمتها في حرب حزيران ١٩٦٧ والي يومنا هذا مسلسل التآمر بإضافة امريكا واسرائيل ربيبتها لم ينته لان المستهدف مصر القوية، مصر الباسلة، مصر العربية، مصر الرائدة.

هذا الاسبوع يصادف العيد ٦٥ للثورة المصرية الباسلة التي جعلت من مصر قلعة الاحرار ومهبط الثوار والصخرة التي انكسرت عليه شوكة الاستعمار، لذا لا بد من التذكير بها بعد ان حاول البعض الاساءة الي الثورة والي ضباط مصر وابنائها العسكريين في شخص عبد الناصر الذي توفي ولديه فقط ٢٠٠ جنيه، ورصيد ١٠٠ مليون عربي يحبونه ويقفون معه. واقصد حين كان يخطب عبد الناصر كانت شوارع المدن العربية من جدة الي بيروت الي عمان الي الجزائر الي الكويت، كل المدن العربية فارغة لأنها بجانب المذياع، وعندما رحل خرج العالم العربي في جنازته، ومن وقتها فقد العرب رمزا وطنيا وقائدا لا يعوض.

لمصر كلها نقول اليوم، كل عام و ثورتك في القلب قائمة و مكانتك في ازدياد رغم كيد الاعداء و الرجعيين و منافقي السلطة و السلطان.

[email protected]