عناد وأصرار يتبعهما جهد ومثابرة من رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني لإتمام التحضيرات النهائية للاستفتاء حول استقلال كردستان المقرر أجرائه في 25-9-2017، رغم وجود صعوبات كثيرة تتوضح يوما بعد يوم مع اقتراب موعد الاستفتاء وأهمها:

1- الخلاف الداخلي بين حزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير ( كوران ) يكاد يكون السد الاقوى امام منع اجراء الاستفتاء لسبب وجيه وهو تعطيل البرلمان داخل الاقليم الامر الذي يجعل من عملية الاستفتاء فاقدة للشرعية وغير قانونية، وهذا ما يدركه الحزب الحاكم الذي بادر بإصدار بيان صريح بتفعيل البرلمان دون أي قيد او شرط امام حركة التغيير وهذا ما سيجعل من الحركة بفرض شروطها المتعلقة برئاسة الاقليم والحكومة والبرلمان مما يرجح الى عودة تعطيل البرلمان مجدداٌ.

2- الرفض الايراني لأجراء الاستفتاء يؤكد بانها قد تخطط لأمور كثيرة من خلف الستار لخلق بلبلة داخل الاقليم، رغم صعوبة احتمال تدخلها للمواجهة مع الكرد لتواجد الفيتو الامريكي من جهة، ومن جهة اخرى تخوفها من اندلاع ثورة كردية بداخلها الامر سيعطي شرعية دولية لغالبية الدول في العالم بدعم الثورة الكردية في اسقاط نظام الملالي، مما يوضح بانها ستتجه الى المنظمات الارهابية التي تديرها في المنطقة وتقوم بتحريك خيوطها كيفما ارادت للوقوف في وجه ارادة الشعب الكردي في الاقليم، وهذا ما يرجح الى فتح جبهة جديدة ضد الكرد من المحتمل ان تكون مع الحشد الشعبي ( المنظمة المدعومة ايرانيا ) ودخول الاكراد في معارك جديدة ستلهيهم عن مواصلة العمل السياسي والدبلوماسي لإعلان الاستقلال.

3- القبول التركي المشروط بأجراء الاستفتاء والذي يتعلق بحزب العمال الكردستاني وخروجه من كافة اراضي الاقليم مع المطالبة بتقديم الاقليم ضمانات بحفاظها على الامن القومي التركي، وهذا الشرط الذي تطلبه تركيا هو بمثابة رمي فتيل الفتنة بين الديمقراطي والعمال الكردستاني وهذا ما لا يحمد عقباه في حال مواجهة عسكرية بين الطرفين والدخول في صراع مستديم لا حل له ابدا، وان حصل وخرج العمال الكردستاني من اراضي اقليم كردستان وتوجهوا الى كردستان سوريا فتركيا ستخلق ذرائع اخرى لمنع الاستقلال كملف التركمان والثروات الباطنية لمحافظة كركوك ومن غير المستبعد استخدامها للورقة الاخيرة معبر ابراهيم الخليل الحدودي والذي يعتبر شريان الحياة لاقليم كردستان مع العلم ان تركيا ستكون الخاسر الاكبر من استخدام تلك الورقة لأنها تكتسب منه مبالغ طائلة تُمكنها من تقوية اقتصادها الداخلي.

4- الحكومة المركزية في بغداد والتي تعتبر المركز القانوني لعملية استقلال كردستان وانهاء الصراع حول المناطق المتنازع عليها المحددة ضمن الدستور الفدرالي ( المادة 140 ) وبدون موافقتها او حل للأمور العالقة معها سيكون الاستقلال غير مدعوما من قبل الامم المتحدة والمجتمع الدولي الامر الذي يسهل لإيران وتركيا بمحاربة القيادة في اربيل دون رادع، وهذا ايضا يأتي كورقة رابحة بيد النظام الايراني والتركي وسيلعبان عليها في حال نفاذ اوراقهم الاخرى.

آمام هذه الحواجز ظهر ضوء أخضر اسرائيلي غير معلن لدعم الاستفتاء والذي بات واضحا من خلال زيارة الرئيس مسعود البرزاني الى عمان وصوفيا في مايو 2017، ورغم لقائه مع الملك عبدالله الثاني ومن ثم رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف الا انه كان واضحا ان زيارة البلدين ليست لها تلك الاهمية القيمة لدى رئاسة الاقليم لعدم وجود أي تنسيق سياسي او تجاري او تعاون أخر بين الدولتين والاقليم، الامر الذي يرجح بان الرئيس البرزاني التقى بقادة اسرائيليين وتباحث معهم موضوع الاستفتاء ولا سيما ان اغلب لقاءات الاسرائيليين مع القادة العرب او المسؤولين تتم في عمان وصوفيا وتعتبران من أكثر الاماكن أمناٌ لتلك اللقاءات، وعلى الارجح ان ايران وبعض المسؤولين العراقيين الموالين لها ادركوا هذه الوقائع وهو ما جعلهم بالتلميح في عدة مرات عبر تصاريح مختلفة باتهام الاقليم بالتعامل مع اسرائيل محاولين بذلك كسب تأييد بعض الدول العنصرية ومنع الاستقلال، رغم الحقيقة المطلقة ان اسرائيل لديها تعامل دبلوماسي مع اغلب الدول العربية ودول المنطقة المجاورة للإقليم ولديها سفارات داخل تلك الدول.

بين هذه الصعوبات يكمن الحل الوحيد لتجاوزها ليس في الدعم الاسرائيلي الذي سيكون من خلال قدرتها على تحريك القوى العظمى لدعم الاكراد كأمريكا وبريطانيا ومن غير المستبعد روسيا ايضا التي ظلت متماسكة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991عبر الدعم الاسرائيلي حيث ان غالبية رجال الاعمال اصحاب القوة الاقتصادية يهود، بل يكمن الحل في وحدة الموقف الكردي وتلاحمه وهو بحد ذاته سور متين لحماية دولة كردستان القادمة، وبحسب تاريخ الدول المجاورة والغاصبة للحقوق القومية للشعب الكردي فان الضرر الاكبر من اجراء الاستفتاء سيكون داخل كردستان سوريا، فهي ساحة مفتوحة دون حماية دولية وستحرك ايران وتركيا اوراقها التخريبية لتكون مصدر الهاء اعلامي للتغطية على احتفالات الكرد في اقليم كردستان وخارجها، وسيكون لكوردستان تركيا ايضا نصيب من

ذلك والعواقب وخيمة، وهذا ما يجب ان تدركه القوى الكردستانية والبدء بأخذ الاحتياطات والحذر والاسراع لعودة ترتيب البيت الكردي وفق اسس قومية بعيدا عن المصالح الحزبية، فقد دفع الشعب الكردي في سوريا وعلى مر السنين ضريبة هائلة لإخوانهم الكرد في الاجزاء الاخرى من دولة كردستان من خلال تقديم خيرة ابنائهم للانخراط في الثورة ضد نظام البعث العراقي والنظام الايراني والتركي، وما هو واضح ان ضريبة الاستفتاء والاستقلال ستكون ايضا على عاتقهم، ورغم وجود الامريكان بقوة على الارض الا ان رحيلهم وترك الساحة مؤقتاٌ قد يكون جزءاُ من تنفيذ مصالحهم للعودة من جديد بعد انهيار الشعب ودماره، المأساة قادمة ولا شيء يستهان به في السياسة ولا توجد مكاسب دون تقديم التضحيات، وخياران لا ثالث لهما: اما التضحية بالمزيد من دماء الشهداء وتهجير الشعب وتدمير البنية التحتية لمواجهة العدو، واما التضحية بمكاسب حزبية والاستغناء عنها في سبيل توحيد البيت الكردي وصد الاعداء مهما امتلكوا من قوة وارهاب.

كاتب سياسي كردي سوري