قلت في مقالي السابق إن للخليج قادة تحميه، وشعوبا تدرك كيف تحتويه، لا يحتاجون تدخلات خارجية ولا وساطات أجنبية، فإن لهم مآرب أخرى، وقلت لن يحل أزمة المشهد الراهن في دول الخليج الأربع إلا شخصيتان اثنتان فقط من قادته يتسمان دائما بالعقلانية في الرأي والرؤية، ويتمايزان بالدبلوماسية الهادئة بعيدا عن صخب الغضب اللفظي السائد الآن بضراوة في الساحة بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، واستشهدت بدبلوماسية السلطان قابوس سلطان عمان واستقطرت شرائح من رؤيته السياسية خاصة في بعدها الخليجي، وأرجأت الحديث عن الشخصية الأخرى، شخصية الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت لمقالة اليوم.

والشيخ صباح الأحمد يعد أحد أعمدة الدبلوماسية العربية والإقليمية، بما له من أفق واسع، وتجربة طويلة، وإحاطة بما يخفى في عالم السياسة، وبما يمتلك كرجل سلام من خبرة عريقة ومصداقية عالية وومرجعية ثقة وتقدير الجميع.

وشهد له الساسة الغربيون الذين عاصروه واحتكوا به في مختلف المحافل الدولية علي قوة شخصيته وحنكته الدبلوماسية، فهو دبلوماسي من الطراز الأول صارع في ميادين السياسة الدولية دفاعاً عن قضايا وطنه وأمته العربية وعاصر تغيرات راديكالية في النظام الإقليمي والدولي من الثنائية القطبية وعصر الحرب الباردة إلي الأحادية القطبية الأمريكية.

وأخيراً النظام متعدد الأقطاب، مما أكسبه خبرات متميزة في العمل الدبلوماسي وقدرة علي التعامل مع الأزمات المحلية منها والعربية والعالمية، وقد حق له أن يحصل من الأمم المتحدة على لقب قائد العمل الإنساني، من بين أبرز الشخصيات العربية والإسلامية في العصر الحديث التي ساهمت في صنع تاريخ وطنها وأمتها عبر سنوات طويلة من العمل والعطاء.

لذلك فإن الشيخ صباح الأحمد يحلق بأكثر من جناح حين يتدخل في أزمة من الأزمات العربية والاقليمية، سواء أكان التدخل ذاتيا أم استدعاء ممن يستعينون به شخصا وشخصية، إذ يؤمن أمير الكويت بأن«استقرار وسلامة أمن منطقة الخليج مرهون بمتانة العلاقات بين دولها سواء أكان ذلك علي المستوي الثنائي أو الجماعي عبر منظور سلمي تعاوني يحقق مصالح الجميع في ظل تنامي الأخطار التي تحدق بمنطقة الخليج العربي، ومن ناحية أخري يرى وجوب العمل الجاد من أجل وحدة عربية حقيقية وتألف قومي ضد التهديدات الخارجية التي يتعرض لها الوطن العربي» وهو يرى أن التضامن العربي هو الوسيلة الوحيدة لاكتساب احترام الآخرين والتصدي لتلك الأخطار..
................
ولأني أحد الشاهدين - عبر وجودي الصحفي في منطقة الخليج، خاصة تحركي بين مسقط والكويت- فإن الشيخ صباح الأحمد له دور بارز وملحوظ ومسجل في الذاكرة الحليجية، إن كاتب هذه السطور لا يبني رؤيته إلا على شواهد ومشاهد تؤكد أن الشيخ صباح الأحمد سينجح في حل الأزمة الخليجية.

فمنذ الشرارة الأوى لحريق هذه الأزمة، وهو يتحرك بجدية وعن قناعة على مسرح سياسة الأزمة، ورغم شعوره بالمرارة وتأثره البالغ للتطورات غير المسبوقة التي يشهدها «بيتنا الخليجي» على حد تعبيره، مؤكدا في ذات الوقت اننا «لن نتخلى عن مسئولياتنا التاريخية وسنكون اوفياء لها حتى يتم تجاوز هذه التطورات وانجلائها عن سمائنا وتعود المحبة والألفة لبيتنا الخليجي الذي سيبقى وحده قادرا على احتواء اي خلاف ينشأ في اطاره» كما صرح غداة بدء وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون جولته الخليجية متنقلا من الكويت الى الدوحة، ووسط انباء عن تبلور صيغة حل جرى وضعها خلال الاجتماع الثلاثي الكويتي – الاميركي – البريطاني الذي عقد في الكويت.
................
يراهن الشيخ صباح الأحمد عى نجاح المساعي التي يبذلها، ما أشار إلى ما لمسه من ردود فعل ايجابية وتأييد لتحركنا ومساعينا لاحتواء هذه التطورات منذ بدايتها وما حظينا به من دعم ومؤازرة من المواطنين الخليجيين لهذا التحرك والمساعي، طبقا لما جاء في بيان الديوان الاميري حيث جسدت الشعور بالروابط التاريخية الراسخة بين دول المجلس والتاريخ والمصير المشترك لابنائه وهو ما لمسناه ايضا في دول المجلس الشقيقة على المستويين الشعبي والرسمي فضلا عن الدعم والتأييد لنا على مستوى دول العالم ومن المنظمات والهيئات الدولية والاقليمية.
................
ثمة ظهير خليجي قوي وراء سعي الشيخ صباح الأحمد إذ إن «مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية المباركة وماحققته من منجزات تمثل الخيار والتطلعات المنشودة لابنائنا في المنطقة التي لا يمكن التفريط بها والتي تستدعي الحفاظ عليها والتمسك بها».

إن المقدمات السليمة تؤدي إلى نتائج سليمة بلغة المنطق، والمقدمات العمانية والكويتية الظاهرة والخفية سنرى ثمارها على أرض الواقع، فما يجري في الغرف السياسية المغلقة لا يعلن كله عبر الإعلام.. هذا الإعلام سواء أكان وسائل أم مؤتمرات صحفية أم تصريحات للاستهلاك ليس إلا...

وذكر (الإعلام) يثير مواجع شتى.. فالخطاب الإعلامي لأزمة الخليج في معظمه.. هو خطاب قبيح.. همجي.. غوغائي.. يمشي ذليلا وراء الخطاب السياسي بكل تداعياته.. ومنعطفاته... 
وما هكذا الإعلام.. 
ولنا معه وقفة قادمة صادمة...