ظهرت، منذ أيام قليلة، صفحة عامة على الفيسبوك باسم (العراق مع إسرائيل) لم يُعرف صاحبها الحقيقي. ونُشرت فيها بيانات ومنشورات لمتعاطفين مجهولين مع إسرائيل لم يظهروا وجوههم أو أسماءهم الصريحة بل مرة ( أبو زين) وأخرى المفوض (أبو ضرغام) ومنشور فيها بيان غريب ممن يقولون أو يقول إنه-م متعاطف ون مع إسرائيل ضد الارهاب الفلسطيني!

شعار الصفحة علما العراق وإسرائيل! علم إسرائيل بلونيه الازرقين (حدودك يا إسرائيل من الفرات للنيل).
الآن؟ وفي هذه الأيام التي كشفت اسرائيل، من جديد، عن وجهها العنصري الساعي الى تهويد كلّ فلسطين من خلال يهودية الدولة إذ صوَّت الكنيست الإسرائيلي، الأربعاء، في قراءة أولى، على مشروع قانون هدفه يهودية القدس وتعقيد عملية انتقال مناطق معينة في القدس كجزء من اتفاق سلام في المستقبل إلى السيادة الفلسطينية؟

الآن؟ واسرائيل تسعى لطمس أحد المقدسات الاسلامية، المسجد الأقصى، بطريقة وضع اليد من خلال نصب أنظمة رقابة مبالغ بها ضد المسلمين؟! متى تعرض المسجد الأقصى لتفجير أو حرق من قبل مصليه؟ المعروف العكس فالمتطرفون الاسرائيليون هم من سعوا وكادوا ينجحون بحرق المسجد الاقصى. الامر يشبه اتهام شيعة العراق بالسعي لتفجير أو حرق ضريح الامام علي. وشبيه بسعي القوات الأميركية بوضع كاميرات مراقبة وأجهزة تفتيش دقيقة وكلاب بوليسية تفتش المصلين وزوار ضريح الامام علي في النجف! وتظهر مجموعة مجهولة من العرب تقول انها متعاطفة مع أميركا ضد الارهاب العراقي أو الشيعي وهو ما لم يحدث.

حتى في محادثات السلام العربية الاسرائيلية بعد أن تأسست جماعة كوبنهاغن عام ١٩٩٥ من قبل بعض المثقفين المصريين والاسرائليين وانضم لهم بعض العرب، ورفعت شعار تطبيع العلاقات الشعبية بين مصر وإسرائيل، اكتشفت، هذه الجماعة، غايات الغالبية الاسرائيلية باستخدام السلام وسلية لأحلام توسعية فانحلت الجماعة بعد مذبحتي النبطية الفوقا وقانا في لبنان عام 1996.

فما الذي تغير الآن؟ هل يبقى بعض المثقفين العراقيين يقاد بمبادرات مجهولة ولم يطلق يوماً مبادرة دون رد فعل؟
هل السبب تعاطف غالبية الفلسطينيين مع صدام حسين؟ ياعزيزي كن أنت فلسطينياً تُهان كرامتك، كلّ يوم، على الحواجز الاسرائيلية بين البلدات والشوارع الفلسطينية وتقاد بتهمة وبدونها ولمجرد الشك، للاعتقال وتتعرض لشتى أنواع الاذلال من قبل محتلين لأرضك وتاريخك، بما يفوق الاذلال الأميركي في العراق بعد سقوط نظام صدام، ويأتي شخص يرفع شعار محاربة إسرائيل وينفذ تهديده لها ويطلق عليها صورايخ أرض أرض نشرت الرعب في كل إسرائيل، ماذا سيكون رد فعلك، كفلسطيني، سوى التأييد لهذا الشخص الذي هو صدام حسين أو حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي. صدام حسين الذي يقارنه اليوم، حتى بعض ضحاياه من شيعة العراق، بالساسة الذين تلوه ويترحم أغلبهم فترة حكمه من باب السيء والأسوأ!

هل تعاطفك مع إسرائيل تحت مسوغ وجود ارهابيين انتحاريين فلسطينيين في العراق يصل الى ١٣٠١ بين ٢٠٠٤- ٢٠١٦؟ هل جاؤا جميعاً من الاراضي الفلسطينية المحتلة أم من دول عربية ولدوا فيها؟ أليس اليأس والفقر لدى من سُدّت بوجهه كل طرق الحياة الكريمة هي الميزة المفضلة لدى التنظيمات الارهابية؟

هل نعرف عدد الانتحاريين العراقيين؟ 
يقول أحد خبراء الجماعات الارهابية "بمراجعة بسيطة لبيانات تنظيم "داعش" وفرز أسماء المنفذين من خلال مصطلح "الأنصاري" وهو العراقي بمفهوم الجماعات المتطرفة، وباقي الألقاب مثل المهاجر أو الغريب أو الألقاب التي تدل على المكان الذي جاء منه الانتحاري، يظهر وجود تصاعد مقلق ومخيف في عدد العراقيين الذين نفذوا عمليات انتحارية ضد أهداف يعتبرها داعش مشروعة". ويرى هذا الخبير العراقي أن عوامل عدة استجدّت في المجتمع تُشكل إنذاراً يجب مواجهته، من أبرزها اليأس وفقدان الأمل".

نتعاطف مع الاسرائيليين؟ هل نعلم كيف يتعامل ضباط الحدود في المطارات والمعابر الاسرائيلية مع المسيحيين العراقيين حاملي جوازات السفر الاوربية والأميركية والكندية الذين يذهب بعضهم في رحلات حج للأراضي المقدسة؟ ساعات من الانتظار وعدم الاحترام والاوامر بالصمت لا لشيء سوى أنهم عراقيون ولدوا في بغداد أو نينوى أو مدن عراقية أخرى ولم تشفع لهم جنسياتهم الغربية. 

لو كانت صفحة (العراق مع إسرائيل) غير مريبة ويعلم من تعاطف معها أن إسرائيل على حق ولم تذل وتظلم الفلسطينيين لنشروا أسماءهم الحقيقية كموقعين على بيان التعاطف مع اسرائيل، فلم يظهر باسمه وصورته سوى الاسرائيليين فيها!

غريب أمرنا نحن العراقيين مرة نقول إن "داعش" صنعتها إسرائيل كما صنعت تنظيم القاعدة وفرعه بسورية جبهة النصرة بدلالة رعايتها واحتضانها مسلحيها وعلاج جرحاها في المستشفيات الاسرائيلية، ومرة يتعاطف بعضنا مع إسرائيل لأن صفحة ظهرت على فيسبوك مجهول صاحبها وبيان مجهول كاتبه أيضاً يدعوان لتعاطف العراقيين مع إسرائيل!

لا يمثل هؤلاء المتعاطفون المجهولون وقلة القلة من المعلومين غالبية العراقيين، فأكبر شريحة عراقية متضررة من العمليات الارهابية هم الشيعة وأكثرهم من (الصدريين) بكل مسمياتهم والمتقاربين معهم، وهؤلاء معروفة مواقفهم تجاه إسرالئيل وتعاطفهم مع أخوتهم في فلسطين.

أن تتعاطف مع إسرائيليين أصلهم عراقي يتعرضون لمشكلة تمييز، أو تتعاطف من منظمات السلام اليسارية في إسرائيل، قد تجد من يتفهم مسوغك. لكن أن تتعاطف في هذا الوقت مع إسرائيل حيث يقودها أقصى اليمين المتطرف الذي لا ينظر للعربي إلاّ عدوّاً فتلك مبالغة مؤلمة لايمكن فهم دوافعها.

هناك قصة تروى عن مبالغات العراقيين: خلال تفقد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بناء، أو ترميم، مسجد دمشق، الجامع الأموي، وقد أمر أن يحمل كلّ رجلٍ حجراً واحداً، فوجيء بأحد الرجال يحمل حجرين ثقيلين جداً، فاستدعاه وسأله: من أين أنت يا أخا العرب؟ قال الرجل: أنا من العراق يا مولاي. فقال الخليفة مُتحسرَّاً: أهٍ يا أهل العراق تبالغون حتي في الطاعة!