العائدون من الاجازات الصيفية وبعد ان امضوا بضعة أسابيع أو أشهر من الصيف مع الاهل والأقارب في الأردن تنفسوا الصعداء والأغلبية تشكو، وهي حالة ليست بجديدة تسترعي الانتباه وتحتاج الي وقفة حكومية.

الجو العام المسيطر هو" الهموم" و "السلبية" و "عدم الأمان" و"الخوف من الغد" و "ارتفاع الأسعار”، و "تراجع الخدمات”، والازدحامات في الطرق”، ووجود حالة نكد شبه دائم في الحياة السياسية والاجتماعية اليومية، ولا تدرك الحكومة كيف تتصرف مع مجلس النواب في حال حدوث أي عارض أو مشكلة من المفترض أن يوجهانها الاثنان معاً، ومقالات يومية تجلد الذات بسلبية واضحة مقصودة، وتنتقد بدون إيجابية وتعكر المزاج اليومي، حتى الاذاعة الأردنية فبرامجها وموسيقاها لا تفرح والتلفزيون الأردني بلا متابعة. مراجعة بعض من دوائر الحكومة تستغرق أياما وتنتهي بلا نتيجة ما لم تتدخل الواسطة لأنهاء الموضوع خلال الوقت المحدد، وأجهزة متعددة تتدخل في تفاصيل حياته وحريته تجعله مخنوقا في وطنه.

القصد "السعادة مفقودة" في بلد عظيم، والاجازة تتحول الي " مهمة انجاز شاقة". لذا المقتدر ممن ارتحل في اجازته انتظر اول رحلة الي تركيا او الي شرم الشيخ ليفر من حالة الاكتئاب المسيطرة على الواقع قبل العودة الي حالة الاغتراب القصري لعدم توافر البديل وشح الموارد. أصبح الحضور الي الأردن حالة من العبء المادي والنفسي والمعنوي.

والأكثر ايلاما ان المغترب سافر وهو يحلم بيوم العودة ليفاجئ انه سراب وأن كل ما حققه لن يؤمن له شقة وتقاعد مريح، وان لا مكان لأبنائه وبناته في أي من الوظائف المحلية او السفارات الأردنية التي احتكرت لأبناء المسؤولين، في الوقت ارتفعت مبان شيدها بعض ممن سرقوا الوطن وانبثقت شركات بالملايين لا يعرف من اين اتي أصحابها بالثروة، وأصبح المغترب اكثرهم فقرا في وطنه بعد ان أضاع سنوات عمره تجبي منه الدولة "حوالات المغتربين" ويشتوي بحرارة أويتجلد برودة.

لم يختلف الامر كثيرا من أي دولة اتي المغتربون، فالأردن في نظرهم فقط لثلاثمائة وخمسين مسؤولا وعينا ووزيرا وانسبائهم من المحظوظين، يستمتعون بالخيرات وجنات النعيم والفلل المكيفة والسيارات بدون جمارك وبعثات دراسية لأبنائهم وعلاج مجاني في الخدمات الطبية وإعفاءات بلا حدود، ودعوات عشاء وإفطار في القصور، وجوازات سفر خاصة حمراء، تعيينات لأبنائهم و أبناء شقيقاتهم،وغيرها من المميزات علما بأن بعض منهم مسؤولين عن المديونية وعن حالة الاكتئاب التي تسيطر على الشعب و بعض منهم فاسدين، ويشعر المغترب بموجات الاكتئاب لحظة أن تطئي قدميه ارض المطار الي لحظة المغادرة عبر أي من الحدود البرية او البحرية ليتنفس الصعداء.

اين دور الحكومة في معالجة ذلك؟ وزارة شؤون المغتربين ؟، وزارة السياحة ؟، وزارة الداخلية ؟، اين هي استعدادات استقبال أبناء الوطن ؟

الأردن بمتنزهاته في جرش ودبين واثاره في الكرك وعجلون والمدرج الروماني والقلعة في عمان وبحر العقبة والبحر الميت ومزارع الاغوار وغيرها حلما يراود أبنائه، سقف السيل في عمان والساحة الهاشمية وسرفيس رقم تسعه مع الاكتئاب لم يعد يحمل "السعادة " بل أصبح يمطر جفاءا وبعد.

ويتساءل “المغترب" هل هذا "وطني” ؟، هل هو وطن الياسمين والعنبر والزيت والتين ؟، وطن فصاحة اللسان وبلاغة البيان ؟، ام ان المغترب "نملة" في اسفل خريطة الحكومة؟، هل اعود ام الموت في الغربة رحمة؟، وإذا عدت من أنا ضمن تلك المجموعات التي ظهرت مثل ديناصورات تأكل كل من تراه امامها. والإجابة لدي الأغلبية "لا أدرى".

أن الأردن وطن العز والافتخار، وطن عظيم بشعبه ووديانه وجباله وسهوله، عظيم بكرامة أبنائه وانتمائهم وحنينهم، لذا المطلوب رفع حالة "النكد" على الأقل خلال أشهر الصيف كمرحلة اولي.

دون تشبيه او مقارنة، ينزل المسافر في محطة قطار باريس وهو قادم من سويسرا او المانيا عبر شبكة قطارات متكاملة ليجد عازف بيانو وموسيقي و أجواء الحب و السعادة و البهجة، ويصل المسافر الي مطار في الكاريبي ليجد فرقة راقصة وموسيقي تبث الايجابية والفرح من المطار و الجميع يرقص الساعة الخامسة مساءا في الشوارع و المحلات، وإستانبول وملجأ وفينيسا وغيرها من عواصم الدول، مليئة بشعور البهجة و تشحنك بالسعادة ويغادر وهو مستمع بكل لحظة مليئة بالبهجة والفرح والتي لها اثار عظيمة في نفس كل شخص، ولا اعتقد هناك داعي للتعليق ماذا يواجه العائد في المطار او عبر الحدود من اجواء تكدر صفو العودة والاجازة، فالبقية عندكم.

شعور البهجة والاطمئنان تبدأ من لحظة الوصول وحتى المغادرة، الشعب ليس من "المطاريد" ومن حقه ان يكون سعيدا في وطنه سواء كان مقيما او مغتربا، ومن حقه أن يدلي بآرائه بحرية مطلقة أن يعبر عن فرحه بطريقته.

انها قضية سلوك وليست حلبة مصارعة أو ملجأ جباية في رقعة شطرنج.
[email protected]