هل يتجه العالم نحو حرب عالمية باردة جديدة؟
يشهد المسرح السياسي والدبلوماسي الدولي تصعيداً وتوتراً إعلامياً وسياسياً وعسكرياً في الآونة الأخيرة بين الخصمين اللدودين روسيا وأمريكا وحلقة الحلفاء المقربين إليهما، الأمر الذي دفع صحيفة الفيغارو الفرنسية اليمينية إلى أن تعنون صفحتها الأولى في الأول من آب الجاري، "بأن هناك أجواء لحرب باردة جديدة في الأفق" عندما أعلن فلاديمير بوتين طرد 755 دبلوماسي أمريكي من الأراضي الروسية، أي تقليص عدد التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في موسكو رداً على إصدار الكونغرس الأمريكي، وبموافقة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحزمة جديدة من العقوبات على روسيا. يذكر أن انتخاب ترامب قد ساعد في إنتعاش أمل جديد في تحسين العلاقات الروسية الأمريكية وإقامة تفاهم وتعاون أمتن بين البلدين ووضع حواجز جمركية ضد البلدان التي تغش على الصعيد المالي والنقدي والاجتماعي والتشغيلي والبيئي والقضائي، ولكن مع الأسف اقتضت الضرورات السياسية إنغلاق الأنظمة السياسية القائمة والعودة لممارساتها التقليدية فتخلى دونالد ترامب عن مشروع الحواجز الجمركية والحدودية التي كان من المؤمل أن تجلب للخزينة الأمريكية 100 مليار دولار سنوياً وتبخر أمل الانفراج مع روسيا خاصة بعد تفاقم فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية ضد هيلاري كلينتون لصالح ترامب الأمر الذي نفاه هذا الأخير على الرغم من وجود دلائل تدينه وتثبت العكس.
يتبع الجيوبولتيك الأمريكي مسلمة مفادها أنه للسيطرة على العالم ينبغي أولاً التحكم بالجزر الدولية وأهم هذه الجزر حسب المحلل الأمريكي هالفورد ماكندر، هي منطقة الــ heartland، وهي فضاء جغرافي يمتد من سهول أوروبا الوسطى إلى سبيريا باتجاه الشرق الأوسط وحوض المتوسط وجنوب آسيا، وبالطبع عقدة هذه المنطقة ومركزها حسب ماكندر هي روسيا وهي المنطقة التي سماها مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر وهو زبجنيف بريجنسكي الــ" أوراسيا" في كتابه الشهير " رقعة الشطرنج الكبيرة"والذي عرض فيه فكرته الاستراتيجية التي تقول " إن تحسن أوضاع العالم واستقراره يعتمدان على نجاح الهيمنة الأمريكية التامة وبالتالي فإن الرهان الأكبر المطروح على الأمريكيين هو السيطرة على منطقة الأوراسيا l’Eurasie. وفي إطار الممارسة الديموقراطية والخضوع للواقع الديموقراطي، يتعين على أكبر قوة دولية في العالم أن تقبل التحدي وتقنع مواطنيها بأهمية القوة الأمريكية المتفوقة وهذا ما تعمل من أجله هوليوود والمجمعات المالية والصناعية المتعددة الجنسيات التي تهمين على وسائل الإعلام الدولية.، والهدف المنشود هو تدعيم وترسيخ الهيمنة الأمريكية باعتبارها القوة الأولى في العالم ومنع ظهور أية قوة أخرى منافسة للولايات المتحدة الأمريكية، وبأي ثمن، على القارة الأوراسية.
كانت هذه الرؤية إحدى أهداف الاتحاد الأوروبي كما أردها جون مونيه مهندس النزعة الأطلسية، والتبادل الحر، والاختفاء التدريجي للدولة الأمة أي الدول القومية لصالح أوروبا الفيدرالية على غرار أمريكيا الفيدرالية، مما أثار حنق وغضب الجنرال ديغول عليه ووصفه تحقيراً له بأنه رجل المال الصغير الخادم للأمريكيين. تبنى بريجنيسكي أطروحات ماكندر الجيوسياسية والجيو ستراتيجية ودعا إلى محاصرة وتطويق روسيا وإضعافها أو مضايقتها بكل السبل وبكافة الوسائل، وهو الأمر الذي حاولت الأوساط اليمنية الجديدة الأمريكية فرضه على دونالد ترامب وهي نفس السياسية الآنجلو ساكسونية المتبعة منذ القرن التاسع عشر إلى يوم الناس هذا. ولقد تجلى ذلك في الملفات الفرعية التي يتصارع فيها الكبار بالوكالة على المسارح الإقليمية كالملف العراقي والملف السوري والملف اليمني والملف الإيراني السعودي التركي والملف الليبي. وفي هذا الإطار ترسم ملامح مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد. كانت نتائج الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 قد أتاحت للمنتصرين سنة 1920 فرض معاهدة سيفر على الإمبراطورية العثمانية المهزومة. لقد اندلع صراع قوة بين مصطفى أتاتورك ومعسكر الحلفاء المنتصر في ما عرف بحرب استقلال تركيا التي انتهت سنة 1922ولم يستطع أحد تطبيق معاهدة سيفر. وفي تموز 1923 وقعت الإمبراطورية العثمانية المنهارة اتفاقية لوزان التي رسمت أغلب الحدود الحالية لتركيا المعاصرة، ما عدا الحدود مع العراق فقد كانت مؤقتة وسميت بــ " خط بروكسل" ولقد أعلن مصطفى أتاتورك في 29 أكتوبر 1923 تأسيس الجمهورية التركية وانتخب أول رئيس لها. كانت القوات البريطانية على بعد 20 كلم عن الموصل في 30 أكتوبر سنة 1918، وهو اليوم الذي وقعت فيه لندن على وقف إطلاق النار في ميدروس والذي وضع حداً للحرب مع تركيا مما جعل الوجود البريطاني في الموصل غير شرعي. طالبت تركيا بأراضي ولاية الموصل إلا أن لندن رفضت ذلك وعارضت إجراء استفتاء للــ 600000 مواطن من سكان المنطقة، تقدمت تركيا بشكوى لعصبة الأمم لكنها خسرت الدعوى وأعطي الحق للبريطانيين، إذ أن تركيا لم تكن عضواً في عصبة الأمم آنذاك، على عكس بريطانيا. من هنا فرضت معاهدة أنقرة الموقعة في تموز 1926 " خط بروكسل" باعتباره خط الحدود الدولية الفاصلة بين العراق وتركيا. ما يعني وضع الموصل ضمن الأراضي العراقية.
أعادت تركيا طرح مسألة استعادة ولاية الموصل وضمها لتركيا مرة أخرى خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980 -1988، فقد خسرت حكومة بغداد برئاسة صدام حسين السيطرة على شمال العراق وبالتالي فقدان السيادة العراقية على كامل التراب العراقي ضمن الحدود الدولية المعترف بها. وفي سنة 1983 أعطى صدام حسين الإذن للأتراك باجتياح القوات التركية للأراضي العراقية لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، عند ذلك أعلمت تركيا حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي بأنها ستبسط سيطرتها على الموصل في حالة سقوط نظام صدام حسين. وفي سنة 1990 بدأت ملامح تفكك الاتحاد السوفياتي واستغلت أمريكا ذلك الظرف الاستثنائي لتضع موضع التنفيذ مخططها لتفتيت وتقسيم العراق، خاصة بعد أن غامر نظام صدام حسين بغزو الكويت في سنة 1990، وبدأت المخابرات الأمريكية حملتها الإعلامية والدعائية للتمهيد للتدخل العسكري الأمريكي، وكلنا يتذكر قصة الممرضة الكويتية التي ظهرت تبكي وهي تروي سرقت القوات العراقية لحاضنات الأطفال حديثي الولادة ورميهم على الأرض وهي مسرحية معدة بإتقان قامت بها إبنة السفير الكويتي في واشنطن بهذا الدور بغية إثارة الرأي العام الأمريكية والعالمي ودفع الأمريكيين للتدخل العسكري. وهكذا تشكلت قوات تحالف دولية لتحرير الكويت ومهاجمة العراق، وخلال الفترة بين 20 مارس آذار و 2 آيار مايو 1995 جرت عملية ستيل أو الفولاذ التي تغلغل فيها 35000 جندي تركي داخل الأراضي العراقي في شمال العراق بحجة مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وفي نهاية العملية العسكرية طالب الرئيس التركي سليمان دمريل باسترجاع الموصل وضمها لتركيا متهماً الغرب بتطبيق معاهدة سيفر التي لم توقع ولم توافق عليها تركيا. في 16 ديسمبر 2002 انعقد مؤتمر لندن للمعارضة العراقية تحت إشراف الأمريكي زلماي خليل زادة، من أصل أفغاني، وجمع كافة الفصائل والفعاليات السياسية والمكونات الدينية والمذهبية والعرقية أو الإثنية، كورد وسنة وشيعة وشيوعيين وبعثيين منشقين وإسلاميين، للاتفاق على مشروع سياسي موحد فيدرالي لمرحلة ما بعد صدام حسين. واتفق الجميع على صيغة فيدرالية للعراق والأخذ بالاعتبار الخصوصية الكوردية وحق تقرير المصير للشعب الكوردي والمستوحى من نصوص مؤتمر صلاح الدين المنعقد سنة 1992. كانت أمريكا تراقب عن كثب تطورات الوضع في العراق على كافة الصعد وتستعد لغزو العراق الذي حصل في 19 – 20 مارس آذار سنة 2003 بتهمة حيازة نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً. والكل يعلم ما حدث بعد ذلك خلال الأربعة عشر عاماً المنصرمة بضمنها فترة الاحتلال الأمريكي للعراق التي انتهت رسمياً في نهاية عام 2011 بيد أن الأمريكيين مايزالون يتحكمون بمصير العراق وطبيعة النظام فيه ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة ولديهم أكبر سفارة أمريكية في العالم في بغداد يعمل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص. منح شمال العراق صفة الإقليم شبه المستقل إن لم نقل المستقل تماماً في واقع الأمر، بينما تمردت المنطقة الغربية ذات الغالبية السنية على الحكومة المركزية ذات الأغلبية الشيعية الأمر الذي هيأ الأجواء الملائمة لتسلل العناصر الإرهابية في تنظيم القاعدة الإرهابي بقيادة الإرهابي المقبور أبو مصعب الزرقاوي والذي ورثه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش بزعامة أبو بكر البغدادي الذي اجتاحت عناصره الإرهابية المسلحة واحتلت مناطق واسعة من العراق في الرمادي وصلاح الدين وتكريت وكافة مناطق محافظة الأنبار ومحافظة الموصل التي أعلن منها تأسيس دولة الخلافة الإسلامية، إلى جانب السيطرة على منطقة الحدود السورية العراقية ومساحات واسعة من سوريا كدير الزور والبو كمال والحسكة والرقة التي أعلنت كعاصمة لدولة الخلافة. كانت روسيا ضعيفة وتعاني من مشاكل اقتصادية لم تلتئم جراحها بعد من جراء تفكك الاتحاد السوفياتي ومنعكفة على نفسها ومنشغلة بمشاكلها الداخلية إبان أزمة العراق في تسعينات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي لغاية غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، ولم تنهض كقوة عالمية متصدية للجبروت الأمريكي إلا بعد وصول فلاديمير بوتين للرئاسة وسيطرته على مفاتيح السلطة في بلاده. ولقد تعافت روسيا إبان رئاسة أوباما واندلاع الأزمة السورية. ارتكبت المعارضة السورية نفس الخطأ الذي ارتكبته المعارضة العراقية ألا وهو الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، فلقد لعب المعارض السوري رضوان زيادة نفس الدور الذي لعبه الراحل أحمد الجلبي لدى الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية السي آي أ وكان زيادة عضواً في مركز دراسات حقوق الإنسان وعضو في جمعية دراسات الشرق الأوسط ومدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن. وطالب الأمريكيين بالتدخل المباشر لإطاحة نظام بشار الأسد وكان يأمل أن تتخذ الدول الغربية، أمريكا وأوروبا الغربية، قرارات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن بهذا الاتجاه لكنها خيبت آماله. كان يرى أن الحل الوحيد الممكن هو تأمين الحماية الدولية للشعب السوري وخلق منطقة حظر الطيران على غرار ما حدث في العراق سابقاً وفي ليبيا لاحقاً وخلق منطقة آمنة محمية دولياً قرب الحدود التركية تحرسها القوات التركية وقوات الحلف الأطلسي وحث تركيا على اتخاذ مواقف أكثر صلابة وحزماً تجاه النظام السوري. قدمت فرنسا وبعض الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية بعض المساعدات والتدريب والتسليح المحدود للجيش السوري الحر والمعارضة المسلحة العلمانية أو المعتدلة لكن الفساد الذي ينخر هذه المعارضة والخلافات ين مكوناتها جعل التنظيمات الإرهابية الجهادية الإسلاموية المسلحة هي التي تهيمن على ساحة الصراع المسلح مع النظام السوري وعى رأسها جبهة النصرة، وهي الفرع الرسمي السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي، وداعش التي استخدمت أقصى وسائل العنف والبطش والقسوة لدحر الخصوم والمنافسين والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية كما فعلت في العراق، فكان أن باعت العناصر المسلحة والمدربة أمريكياً أسلحتها لداعش والنصرة وهرب أكثر كوادرها إلى خارج البلاد مما أصاب الأمريكيين والأوروبيين بالإحباط. كان السوريون يتمنون أن يتكرر السيناريو الليبي، علماً بأن بعض الدول العربية لم تتردد في تقديم المال والسلاح للتنظيمات السورية المسلحة لكنها في أغلبها ذات توجه إسلامي، وكان أغلب المراقبين يتوقعون سقوط النظام السوري خلال أسابيع أو أشهر قليلة، خاصة بعد تمثيلية استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في الغوطة وأدى إلى مقتل 1400 شخص مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلانها للخطوط الحمراء التي إذا تجاوزتها دمشق فسوف تتعرض لهجوم عسكري دولي، إلا أن روسيا دخلت على الخط مباشرة وفتت التوتر باقتراحها أن تقوم لجنة خبراء دولية في التخلص من السلاح الكيميائي السوري، وبالتالي لن تكون هناك ذريعة صالحة لضرب سوريا عسكرياً وأذعنت إدارة باراك أوباما لهذا الحل وأرغمت حلفائها الأوروبيين على القبول به. يضاف إلى ذلك أن لجنة خبراء من معهد ماسوشوسيت للتكنولوجيا MIT نشرت دراسة تكنيكية محضة في 14 يناير الماضي أثبت فيها أن المذبحة الكيميائية التي اتهم فيها نظام بشار السد في 21 آب 2013 قد تمت انطلاقاً من أراضي يسيطر عليها المتمردون السوريون المسلحون من الجهاديين الإرهابيين الإسلامويين، ولقد صاغ الدراسة مفتش متخصص في الأمم المتحدة بسلاح الصواريخ هو ريشارد ليلويد و ثيودور بوستول الأستاذ في المعهد المذكور، بعد دراستهما وتحليلهما لمئات من الصور وأشرطة الفيديو والعبوات المتفجرة وبقيا الصواريخ التي أطلقت على المنطقة المنكوبة وبقايا براميل احتوت على غاز السارين. فوجيء الغرب بالدخول القوي والصاعق لروسيا ولحزب الله وإيران في ميادين الصراع المسلح بين القوى الإسلامية الإرهابية المسلحة والجيش السوري النظامي المدعوم جواً من قبل روسيا مما غير من موازين القوى ميدانياً على ساحات المعارك لصالح النظام السوري، تحت غطاء محاربة الإرهاب الدولي المتمثل بداعش والقاعدة. وتم تحرير حماه وحمص وحلب من قبضة داعش والنصرة ولم يبق سوى الرقة وإدلب التي تتحصن فيها قوات داعش وجبهة النصرة. حاولت فرنسا جر أوروبا والحلف الأطلسي إلى حرب مباشرة في سوريا لأنها كانت ترغب بالتدخل العسكري على غرار ما قامت به في ليبيا ونشرت صور لضحايا المجزرة الكيميائية في الغوطة ولكن اتضح فيما بعد أنها لأطفال علويين من اللاذقية خطفتهم العناصر الإرهابية الإسلاموية المسلحة وقتلتهم بطريقة بشعة ووحشية ومثلت بجثثهم، فيما كشف التقرير التقني لمعهد أم آي ت خطأ الأطروحة الأمريكية التي تذرع بها جون كيري وزير خارجية أوباما لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في سوريا وصحة التوضيح الروسي، مما ذكرنا بالسابقة الأمريكية على لسان كولن بأول في مجلس الأمن في الأمم المتحدة لإيجاد ذريعة امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل والتي تبين فيما بعد سخفها وسذاجتها وعدم صحتها باعتراف كولن بأول نفسه في مذكراته.
عندما حققت منظمة داعش الإرهابية اختراقها المدوي عام 2014 في سوريا والعراق وأحتلت مساحات واسعة من أراضي البلدين، وأعلنت دولة الخلافة المزعومة في 29 حزيران 2014، أشعرت العالم الغربي بخطرها المباشر على الأمن والاستقرار الدوليين لأنها ضربت دول الغرب في عقر دارها بعمليات إرهابية قذرة طالت المدنيين الأبرياء وأثارت الرأي العام الغربي ضدها الذي ضغط على حكوماته لمحاربة هذا الوباء والشر القاتل المسمى داعش. فتشكلت كواليس وقوات تحالف دولية لمواجهة الدولة الإسلامية في العراق والشام وبدأ الهجوم الجوي المنظم في 22-23 سبتمبر أيلول 2014، وقامت بإسناد القوات البرية العراقية التي باشرت، وعلى مدار ثلاثة أعوام في محاربة الدولة الإسلامية داعش لتحرير الأنبار وصلاح الدين والموصل من احتلال داعش فيما قامت قوات سوريا الديموقراطية المكونة من مقاتلي وحدات حماية الشعب الكوردي وبعض القوات العربية لمهاجمة معاقل داعش في سوريا وعلى رأسها الرقة عاصمة دولة الخلافة. أوقفت دول الخليج عملياتها الجوية في سوريا وركزت جهودها على اليمن البلد الجريح الآخر الواقع في نطاق مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد الذي ترنو له واشنطن، لصالح إسرائيل بطبيعة الحال، وفي هذا السياق قام الجيش التركي بالتعاون مع بعض القوات السورية المنشقة عن النظام في ما يسمى بالجيش السوري الحر، بشن عملية عسكرية تحت عنوان درع الفرات لمهاجمة داعش في شمال سورية وذلك في 24 آب 2016، وفي نفس الوقت مهاجمة قوات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديموقراطية المسنودة أمريكياً. كانت أمريكا ترغب في مهاجمة داعش في سوريا بالتعاون مع القوات التركية لكن آردوغان رفض مشاركة وحدات حماية الشعب الكوردية في تحرير الرقة لأنه يعتبرها منظمة إرهابية لقربها من حزب العمال الكردستاني التركي المحظور في تركيا، إلا أن أوباما أصر مواصلة القتال بالتعاون مع قوات سوريا الديموقراطية الكوردية والعربية بالرغم من الاعتراض التركي. جاء انتخاب دونالد ترامب ليضع حداً للطموحات التركية في سوريا فأرغم آردوغان على وقف زحفه في سورية في 29 آذار مارس 2017. وأعيدت الكرة في محاولة يائسة ثانية لتوريط الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة بالحرب في سوريا من خلال ترتيب هجوم كيميائي ثاني في 4 أبريل نيسان 2017 واتهام وقات بشار الأسد به في خان شيخون والذي أدى إلى مقتل 87 شخصاً وليقدموا لترامب الذريعة في مهاجمة النظام السوري. انبرت فرنسا مرة أخرى على لسان وزير خارجيتها السابق جان مارك آيرو لاتهام بشار الأسد وتهديده بالويل والثبور كما فعل سلفه عام 2013 لورن فابيوس، وادعى آيرو أن فرنسا تمتلك أدلة لا تقبل الدحض باستخدام قوات بشار الأسد للأسلحة الكيميائية في خان شيخون سنة 2017، لكن روسيا وقفت ضد مشروع التدخل الغربي المباشر في سوريا بقوة وأرسلت رسائل مبطنة تقول أنها تعتبر ذلك بمثابة إعلان حرب عليها وضد وجودها العسكري المباشر المشروع في سوريا لأنه تم بطلب من نظام بشار الأسد الحاكم الشرعي للبلاد. وفي تموز 2017 بدأت الولايات المتحدة بإرسال الأسلحة الثقيلة والفتاكة والدبابات والمدرعات والأموال والخبراء والمدربين والقوات الخاصة إلى سوريا لدعم قوات سوريا الديموقراطية لتحرير الرقة على غرار ما تحقق في العراق لتحرير الموصل، وهي محاولة لترسيخ التواجد الأمريكي العسكري المباشر مقابل التواجد العسكري الروسي المباشر في سوريا ما بعد داعش.