لم يكن مرور سبعين عاماً على بدء العلاقات الأردنية التركية، مُبرراً منطقياً لأن يُحمّل السلطان العثماني رجب طيب أردوغان طائرته الرئاسية بوزراء ومسؤولين كبار، لزيارة عاصمة الهاشميين، الذين ساهم جدّهم في طرد فلول الخلافة العثمانية من الجغرافيا العربية، ولذلك ولأسباب كثيرة أخرى، لم تتجاوز نتائج الرحلة التي تعاملت عمان معها بحذر محسوب، ابتداءً من بروتوكول الاستقبال وليس انتهاء بالكلمة المقتضبة للعاهل الأردني، وحتى في البيان الختامي المشترك الذي جاء خالياً من أي جديد، فقد تحدث عن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، وإن كان أردوغان لم يعلن بوضوح دعم تلك الوصاية، واكتفى بالحديث عن دور الأردن في حماية المقدسات. وهو ما قبلته عمان على مضض، وهي تراقب بحذر نمو علاقات مع أنقره قد تسمح مستقبلاً بتطوير الموقف التركي "الإخواني"، كما تم بحث ضرورة الضغط على المجتمع الدولي بورقة اللاجئين السوريين، ولم يؤشر على اتفاقات اقتصادية سعى لها الضيف التركي، ولا تطرّق للتواجد الايراني قرب الحدود الأردنية الشمالية رغم أن أردوغان سعى للأيحاء بأنه يحمل تفويضاً من طهران لبحث الموضوع، الذي آثرت عمان بحثه من البوابة العراقية، ومن خلال إعادة فتح المعبر البري بين البلدين، والذي كان تعثّر فتحه بسبب موقف إيراني معارض، وإن لم يكن معلناً.

المهم أن البيان الختامي وبالتأكيد جولة المحادثات، تجاوزا فكرة أردوغان التي طرحها حول توحيد القوى الإسلامية لمواجهة التحديات، وهو هنا يقفز ببراعة البهلوان عن علاقته الصميمية والمصلحية مع إسرائيل، التي تحتل أرضا "إسلامية" وتدنس يومياً أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. فالأردن ليس دولة إسلامية على مقاس إخوان أردوغان، ولن يكون، وهو يكتفي بعلاقات سياسية مع تركيا يلتزم فيها بالحذر، لإدراكه أن هناك خلافات وأن تطور تلك العلاقات مرتبط بموقف الدول الاقليمية الحليفة لعمان، التي فضلت استقبال "الداعية الإخواني" باحترام مشروط بعدم مناقشة أمور خلافية، قد تثير ردود فعل في الرياض والقاهرة وأبو ظبي، واستنكفت عن مناقشة أي ملفات على علاقة بملف الإسلام السياسي، غير أن ذلك لم يمنع الضيف من محاولة تحقيق اختراق لصالح قيام تعاون اقتصادي مع الأردنيين، متجاهلاً امتلاك عمان لمعلومات عن محاولات تركيا للتدخل في المسجد الأقصى، على أساس أنها دولة سنية قائدة، وهذا ما يرفضه الأردن جملة وتفصيلاً. والمدهش أن السلطان حاول تلبيس الشعب الأردني مسألة تاييده ضد انقلاب تموز العسكري الذي حاول إطاحته، ولا تزال تركيا تعاني من تبعاته على المستويات كافة، ومع ذلك فإن هناك من يرى أن زيارة أردوغان للأردن، وإن لم تحقق اختراقات كبيرة، إلا انها توفر أرضية تسمح لاحقاً بتحسين بيئة للتواصل ولو على مستوى السفارات على الأقل.

بديهي أن عمان استقبلت أردوغان وعينها على حدودها الشمالية، التي تعج بالقوات الإيرانية ومنتسبي حزب الله، وهي تدرك أن بحث هذا الملف لن يكون إلا مع موسكو أو دمشق، التي يبدو أنها على وشك تحقيق اختراقات تسمح لها بإعلان "النصر"، بعد سقوط كل الرهانات على إسقاط نظام الأسد، الذي يؤكد دائماً وخصوصاً في خطابه الأخير، أن أردوغان هو العدو رقم واحد، ما يعني أن أي اتفاق معه سيعتبر عدائياً للنظام السوري، وعمان في غنى عن ذلك، وهي تدرك أن علاقة دمشق بطهران، أقوى وأمتن من أن يؤثر عليها الاتفاق التركي الإيراني الأخير بشأن المسألة الكردية. ولكل ذلك لم تقطع عمان شعرة معاوية مع أنقره، لكنها أحجمت عن مأسسة تعاون اقتصادي معها مفضلة على ذلك محاولة تقوية وتمتين علاقتها بحلفائها الخليجيين، مع التلويح لهم بالزيارة التركية، التي كانت مناسبة لترسل عقبها رسالة، بأن العلاقة مع أنقره في ظل حكم أردوغان لن تتعدى الملفات الدولية المتعلقة بدعم الإرهاب واللاجئين ودعم القضية الفلسطينية، ولعل كبرياء أردوغان يسمح له بالتقاط الرسالة جيداً.