بعد مرور سنوات الفشل في الأداء السياسي والحكومي، واتضاح زيف الشعارات والوعود من الكتل السياسية التي كانت في سدّة الحكم، ترى كيف ستكون ملامح المرحلة المقبلة، وكيف ستتصرف الكتل الكبيرة وتحاول إعادة صياغة نفسها لحضور المشهد العراقي لسنوات قادمة؟

لقد تغيرت فكرة الأحزاب والتحزب لدى أغلب هذه الكتل نتيجة دخول المال الفاسد وبكميات مهولة لخزائنها، وتورط الكثير من رجالاتها بتهم فساد فاضحة، ولم تعد فكرة تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية للبلد هي الدعاية المجدية، فكلهم أدركوا أن المزاج الشعبي قد كشف هذه الكذبة الكبرى، وتبين للرأي العام مدى هشاشة طاقتهم الإيجابية لحمل مسؤولية البلد، ولم يعد الحزب وأفكاره الرومانسية عن العدالة الاجتماعية والارتقاء بالإنسان يشغل بال "الزعماء". لقد تحولوا إلى عصابات مافيوية وتحت أيديهم كميات مرعبة من الأموال، وما عليهم إلّا توظيف هذه الأموال لديمومة حكمهم وبأيّ طريقة.

إن ظاهرة الإنشقاقات وتبديل الأسماء والمسميات هي واحدة من تلك السبل، وتقديم بعض الوجوه الجديدة وترجيع القديمة إلى الظل أو إلى كيانات صغيرة أو شخصيات ملتحقة تحت مسميات مستقلة بدأت تظهر في الساحة، ولانستبعد انشقاقات أقوى وأقوى لأحزاب لها "تاريخ" طويل.

ستتصرف بعض الشخصيات "القيادية" تصرفات انفعالية بطريقة استعراضية، لعلمهم بوجود جمهور لابأس به يعشق هذه البهلوانيات والعروض التي لا تختلف عن عروض السيرك، وكلما كان العرض فيه خطورة وشدّ، كان الإندهاش من المتلقي أكثر وأكثر، وبالتالي التغلغل إلى مزاج هؤلاء وحصد أصواتهم بالاستعانة بطرق مساعدة أخرى.

واحدة من الملامح التي ستظهر في الساحة السياسية العراقية في المرحلة المقبلة ومع قرب الانتخابات، هي التسقيط الشخصي للخصوم، أي أن الداعية الانتخابية سوف لن تكون بإبراز أفضل وأنظف ما لدى الكتلة أو الشخص، بل بإبراز أسوء وأقذر ما لدى الخصم، وسيتولى هذه المهمة أشخاص بعيدون عن المشهد تساعدهم مواقع في التواصل الإجتماعي وبعطايا جزيلة، ولن يكون هناك سقف لهذه الفضائح، سواء كانت شخصية أو حزبية أو تافهة إلى درجة السخف.

ظاهرة الأزمات ستبرز من جديد، وهي الوسط الذي ينتعش به أغلب"السياسيين"، فحياة المأزوم لا تصلح في وضع مستقر، وإدارة الأزمات خبرة اكتسبها أغلب عتاة البلد. الفوضى وكسر الهدوء وتفاصيل الظلمة والدم هي مفردات تنعش مزاج حاكم مابعد 2003. إنها ملامح رئيس العصابة في الشوارع الخالية من القانون وتحت شعار "حفظ القانون".

قضية (الحشد الشعبي) ستكون ورقة "الجوكر" التي سيلعب بها أغلب تلك الكتل الفاسدة، لما لها ربط بالمزاج الشعبي وبضمير ذوو الضحايا، وستعود هذه الورقة بالمردود السيء لفكرة الحشد ولكمّ الضحايا الذي راح في سبيل تحرير العراق من دنس داعش. ستُحرج المرجعية الدينية وقتها، باعتبارها مولّد هذه الفكرة، تُحرج من كمّ التجاوزات التي ستظهر وتحت مسمّى الحشد الشعبي، وبصراحة لا يمكن تكهن موقفها حينها، والذي نأمل أن يكون بنفس قوة إصدار فتوى الجهاد الكفائي، وإلّا سيتهدد موقفها هي الأخرى، إذ لا مانع من قيادات الكتل بتلويث سمعة المرجعية وبألف طريقة وطريقة.

وبعد..

لم تعد فكرة قيادة البلد خاضعة لانتخابات ترشيح الأفضل، فبعد تمرير قانون الانتخابات مؤخراً اجهضت هذه الفكرة، وأصبح بعض اللعب على المكشوف، فتصريحات أغلب حيتان الفساد الحاكمة تطرح فكرة (الأمر الواقع) أمام من يحلم بدخول صراع الانتخابات وبشكل نزيه. وربما تعود ظاهرة الاغتيالات لـ"رموز" لها رصيد شعبي أو فئوي، كحلّ بسيط لو تجرأ هؤلاء بمسّ اللعبة المتفق عليها.

ثم ماذا؟

كل هذه الملامح والسلوكيات ستولد طاقة قهرية في ضمير الشعب المغلوب على أمره، وهذه الطاقة تحتاج إلى توظيف حقيقي وواقعي لإخراجها إلى العلن، بطريقة توقف "مافيا الشوارع" عند حدّهم، ولا مناص من التصادم بين الشعب وهذه الكتل، وفكرة انفجار الوضع وخلخلة الدولة ليست بخيال بعيد، طالما استمر أصحاب النفوذ السيء باستهزاءهم بقيم ومقدرات هذا الشعب.

لقد مارست الحكومات بعد 2003 شتى الجرائم بحق الشعب العراقي، إلّا أن أقسى جريمة قامت بها هي..

قتل الحلم العراقي لأناسٍ لم يعد الزمن كافياً لهم.. ليحلموا مرةً أخرى.

فاضل عباس [email protected]