‎- لقد حملت الزيارة المؤخرة لرئيس أركان الجيش الإيراني محمد حسين باقري إلى تركيا اختلافاً نوعي في حقبة العلاقات الإيرانية – التركية الحديثة حيث تعتبر الزيارة هي الأولى منذ العام 1979 بعد قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية وسيطرة الخميني على السلطة إثر الانقلاب على الشاه رضا بهلوي، وتأتي الزيارة في إطار التوجه الإيراني – التركي للإتفاق حول جملة من الأمور وأهمها آلية الحد من تطور الدور الكردي في المنطقة وسبل خلق سياسيات يمكن من خلالها تحقيق غاية مشتركة في الحفاظ على دائرة النفوذ المقسمة في المنطقة و التي تعتبر من أوليات الدولتين.

‎ إلا إن تاريخ العلاقات الإيرانية – التركية تؤكد أن الصراع و والتنافس بينهما ليس بالجديد و سوف لن يهدأ، فهو يمتد منذ قرون إبان التوترات ما بين الصفويين والعثمانيين ومن هناك بدأت المطامع الإيرانية والتركية في بسط النفوذ على منطقة الشرق الأوسط حيث باتت إيران وتركيا حتى يومنا هذا يتنافسان على النفوذ والسيطرة في المنطقة من باب إدراك كل منها على إنه التوسع الإقليمي يحقق الهدف الأول الذي بدأ من خلاله التوترات وهو التحكم بمعادلة الصراعات في المنطقة وتسخير ذلك من أجل خدمة دولتهم الذي يرى كل منها على إنها الفُضلى، في بداية الصراع في سوريا لم تبخل تركيا في تقديم العون لكل الفصائل التي بدأت تتبع النهج الراديكالي والنسخ المستحدثة من نموذج الصراع في كل من العراق وافغانستان و بعض دول شرق آسيا ومنذ تلك اللحظة باتت كل من تركيا وإيران على مفترق طريق حيث لم يعد هناك ما يجمع تركيا وإيران إلا تلك الحدود، أما في الداخل السوري فإن الصراع الإيراني – التركي تجلى في دعم الأولى للنظام السوري والثانية في التعويل على معارضات يمكن من خلالها الدخول إلى ساحة الصراع ومن ثم التحكم بمفاتيح الحل في سوريا مما يحقق لها دوراً أكبر في المنطقة وربما كانت تركيا تفكر حتى في كسر الهيمنة الإيرانية في المنطقة من خلال المحور الأهم وهو سوريا ومن المحور الآخر الخليج العربي حيث عمدت تركيا إلى تشكيل محور خليجي – تركي مكون من بعض الدول كما قطر والسعودية في البداية من أجل محاربة الإيرانيين كأحد اهم الأهداف في التدخل في الشأن السوري خاصة الرابط الأهم ما بين الدول الخليجية المذكورة وتركيا هو أحد أهم نقاط الصراع في المنطقة حيث تركيا ومن معها يدّعون تمثيل المحور السني في الصراع أما إيران فهي تمثل وتجسد الدور الشيعي.

‎- بالرغم من حدة التنافس في المنطقة ما بين تركيا وإيران إلا إن التوافق الإيراني – التركي على إن هناك خطر مشترك يهدد مصالحهم القومية حسب زعمهم موجود وبشكل كبير أيضاً، هم ينظرون إلى الكرد في المنطقة على إنهم خطر أكبر بكثير من المفارقات التي هي موضع خلاف وصراع في المنطقة، هم يخشون من الطموح الكردي في المنطقة لأسباب منها إن النهج الذي يعمل الكرد عليه اليوم هو ملائم لحالة التغيير في المنطقة وهذا النهج بحد ذاته يعمل على تقويض دور الدولة كهرم سلطوي وكشكل تقليدي وكنمط مستبد حيث إن هذه الأمور باتت غير مريحة للشعوب لإنها لم تحقق لها أي شيء كما إنها أثبتت مدى سعيها – أي النماذج المركزية السلطوية- إلى التضحية بالشعب من اجل بقاءها وبقاء نفوذها وسلطتها، تدرك إيران وتركيا إن الصراع الموروث لكل منهما منذ قرون هو سيستمر وهذه الاستمرارية لطالما تحافظ على بقاء الصراع ولا تساهم في إنهاء دور أحد على حساب الآخر فليست بالمشكلة الكبيرة لكن الأهم هو ما يستهدف بنية وشكل الدولتين فبالنسبة لتركيا وإيران الحديث عن تطور الدور الكردي في المنطقة هو بمثابة بداية التحضير لإبرة السم القاتلة لذا لابد لهم من وضع كل الخلافات جانباً من اجل تفادي الموت والانتهاء ومن ثم العودة إلى حالة الصراع و التنافس وليكن الضحايا في المنطقة هم الشعوب، جملة هذه الأمور أيضاً تأتي بعد تراجع العلاقات وتوترها مع الولايات المتحدة وتركيا بسبب رفض تركيا للدعم المقدم من قبل التحالف للقوى الديمقراطية التي تحارب الإرهاب وكذلك بسبب وجود تصدع وتوتر كبير ما بين إيران والولايات المتحدة خاصة بعد وصول إدارة ترامب إلى الحكم التي تنظر إلى إيران على إنها رأس الأفعى في المشاكل التي تشهدها المنطقة وعلى رأسها سوريا والعراق واليمن، إن المحور التي تتعاون فيه إيران وتركيا ويلتقون على صفيح من نار الخلافات فقط من أجل معاداة ومنع تطور الدور الكردي في المنطقة هو حلف بالأساس مشكل من سوريا والعراق بالإضافة إلى تركيا وإيران ولكن حدة الصراع والتوتر في كل من العراق وسوريا هو الطاغي على الجانب التشاركي لهم في هذا الحلف إلا إن اليوم صراخ النظام السوري من وسط مستنقع الدم الذي سببه هو في سوريا بعدم قبول أي دور ديمقراطي للكرد وكذلك دفع تركيا بالقوى العراقية الموالية لها في منع تطور الموقف الكردي في العراق هي جهود تخدم الحلف الإيراني – التركي الحاضر دون شك، المغزى يمكن القول بإن بدء عودة التفاهمات الإيرانية – التركية من خلال زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني إلى تركيا ولقاءه للمسؤولين هناك محاولات توحيد كل الجهود في معاداة الدور الكردي في المنطقة ولكن ربما سيستخدمون في بعض المواقف بعض المصطلحات المبُطنة كما الحال العمل على التفاهم حول الوضع في سوريا أو البدء بدفع عملية الإستقرار في العراق ولكن التفاهمات بالأساس هي من أجل منع قيام الكرد بممارسة حقهم في إدارة البلاد أو الحصول على استحقاقاتهم الوطنية، تركيا وفي استقبالها لاحد أهم المسؤولين الإيرانيين وإبداؤها للرغبة في التعاون مع إيران اعتراف ضمني بالنظام السوري وإلا من هي إيران في سوريا أليست هي من تمثل النظام وهي صاحبة القرار الفصل في سوريا؟ تركيا تبحث اليوم في تقاربات من خلال إيران فهي ليست لديها مشكلة حتى في إعادة فتح السفارة التركية في حلب والاعتراف بالنظام والقول للمعارضة بإن دوركم انتهى كل هذا مقابل الولاء لروسيا بعد أن خسرت دعم الولايات المتحدة لها بسبب دعمها للإرهاب ومنعها من تقدم القوى الديمقراطية وكذلك لا مانع لها من أن تحقق جميع الشروط الإيرانية وتوقع مذكرات تفاهم من أجل الحصول على الدعم الإيراني لمواجهة المشروع الديمقراطي في المنطقة لإنها تعلم بإن إيران تستشعر بالخطر كما هي تماماً.

‎- إن الكرد اليوم في المنطقة يحققون تقدم قياسي مقارنة مع حالات الإقصاء والإنكار والإبادة التي تعرضوا لها وقد اثبت الكرد اليوم على إنهم شركاء وطنيون حقيقيون يعملون من اجل كرامة جميع الشعوب وإن الطرح الديمقراطي القائم على العيش المشترك والتعاون في الإدارة والعمل من أجل تحقيق التغيير للوصول إلى مرحلة أخرى مغايرة للمراحل التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط جميعها جهود تؤكد على مدى حرص الكرد في تحقيق السلام والديمقراطية والاستقرار وهذه الأهداف نابعة من أيمانهم القوى بها لذا التضحيات اليوم في مقارعة الإرهاب العالمي هدف من أهداف تحقيق الإستقرار والسلام المذكور، القوى المركزية المهيمنة في المنطقة لن تهدأ وبالرغم من خلافاتها في مواجهة الجبهة الكردية ومن هنا من الهام والضروري الحفاظ على المكتسبات التي حققها شعبنا بدماء ابناؤه وبناته ومن الهام التمعن والتفكير والتساؤل في حال إن القوى التي لا تربطها شيء من المنطقة تقوم وتتحالف فيما بينها من أجل معادة الكرد فما المانع من أن يكون توافق واتحاد كردي في خلق موقف كردستاني واحد؟، نحتاج في هذه الآونة إلى توحيد الجهود والطاقات الكردستانية من أجل مواجهة الخطر المحدق بنا لذا الألتفاف حول المؤتمر الوطني الكردستاني ضرورة وحاجة ملحة ومهمة وسبيل إنقاذ شعبنا والسعي نحو تحقيق أهدافه في الحرية والديمقراطية فكلما اتسعت الهوة ما بين الكرد كلما سعت القوى المعارضة إلى سدها بما يخدم مصلحتها وبما يتعارض مع وحدة الكرد حتماً، علاقات التعاون والصداقة مع بعض الدول المهمة إقليماً وعالمياً ضرورية وهامة وهي موضع تقدير وفرصة كبيرة للتعبير عن مدى إيماننا بوطننا وسعينا نحو وضع مشروع ديمقراطي نوعي في الشرق الأوسط إلا إن ومع ذلك لا مانع من وجود الأرضية الكردية الثابتة التي ستكون الأساس في تحديد 
‎الرؤية والاستراتيجية الكردية في المنطقة.

* عضو الهيئة التنفيذية لحركة المجتمع الديمقراطي تف-دم