الفتاة الايزيدية (ايفانة وليد حسين ),مواليد 20\10\1996 قضاء ( شنكال ) قرية (تل قصب)، كانت تعيش مع عائلتها حياة طبيعية قبل احتلال داعش لقريتها المغدورة، (ايفانة) تنهض اليوم من رمادها كالعنقاء لتعلن عن ميلادها الجديد وهي تصرخ باعلى صوتها وتقول: (هل يستطيع هذا العالم أن يعوضني ما فقدته في وطني)؟ 
تروي (ايفانة) الناجية من عصابات داعش الارهابية، للعالم كضحية وشاهدة على جريمة العصر تروي قصتها المأساوية و ما تعرض له المواطنون الايزيديون من مجازر مروعة لاتوصف، وما تعرضت له شخصياً على أيدي الاوباش أعداء البشرية خلال فترة اسرها.

تعرضت (ايفانة) لشتى أنواع الذل والإهانة والتعذيب الوحشي الممنهج على يد وحوش بشرية انتهكت حقّها في الحياة لا لشئ إلا لأنها ايزيدية. 
بالرغم من ماساة البيع والاستعباد والاهانة المستمرة، استطاعت (ايفانة) ان تصبر صبرا جميلا و تتحمل كل مراحل الاسر والتعذيب الوحشي بارادتها الفولاذية، وهي تتنفس من عاصفة الذل وإلاهانة والتحرش الجنسي والتعرى أمام أشرس وحوش الأرض وتحت راية المربع الاسود.

و للاسف لا تزال هذه الوحوش البشرية تحيط بالايزيديين من كل جانب، وتحوم حولهم وترتكب ابشع الجرائم بحق هذا المكوِّن المسالم، وإن العالم مازال متقاعسا عن القيام بواجبه في معاقبة المجرمين الحقيقيين. وحسب الدراسة التي نشرت في دورية بي.ال.أو.اس الطبية أن اكثر من 3100 إيزيدي قُتلوا على يد داعش (أكثر من نصفهم بالرصاص أو جز الرؤوس (النحر) أو الحرق وهم أحياء)، وان نحو 6800 ايزيدي خُطفوا لاستغلالهم في الاستعباد الجنسي وبيعهم في سوق النخاسة أو استخدامهم كمقاتلين او كقنابل موقوتة في ساحات القتال. 

تصرخ ( ايفانة ) اليوم بملء فمها وبِحُرقة لتروي للعالم الصامت صمت القبور ما تعرض له المواطنون الايزيديون من مجازر مروعة بوحشية لاإنسانية لا توصف.
تستذكر ( ايفانة ) بألم شديد ما حدثت لها فتقول : ( كنت طالبة في الخامس الإعدادي واعيش حياتي الطبيعية مع اهلي واقاربي وصديقاتي قبل ان يهاجمنا داعش وتجتاح قرانا، فهم كالجراد الذي اذا حلّ على الأخضر أكله ولم يبق منه شيئاً.

ففي يوم 3\8\2014 ومع اقتراب داعش من تخوم منطقة (شنكال)، نزحت جميع الاهالي ونحن ايضا فعلنا مثلهم ولكن سيارة اهالينا لم تكن تكفينا فتأخرنا قليلا نحن وعوائل اخرى, وعندما وصلنا الى ساحل الجبل حاصرنا الدواعش واخبرونا بأنهم لن يفعلوا بنا شيئا وما علينا سوى الاستسلام، وبعد ان استسلمنا, حجزونا في (دائرة النفوس في شنكال )وعندما حل المساء فصلوا العوائل والفتيات واخذونا نحن الفتيات الى (تلعفر) التي بقيت فيها لحد فراري منهم. وبعد ان رتبوا الاوضاع، سجلوا اسماءنا وعرفنا انذاك بان تم القبض ايضا على عوائلنا). 

في هدوء و سكينة، تستطرد( ايفانة )في حديثها وتقول : ( خلال فترة اعتقالي تم (بيعي اربع مرات لاربع اشخاص وتعرضت لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، حاولت مرارا الهروب من جحيم الاستعباد والذل والقهر، الا انهم كانوا يعتقلوني ويعيدوني الى السجن ​, وفي 15\7\2015 استطعت ان اهرب بصحبة اسيرات اخريات في الليل ولم يشعر بنا احد لأننا كنا قريبين من سيطرة البيشمركة الكردية ووصلنا اليهم بعد معاناة لاتوصف ). 

تقول ايفانا: ( في الساعة العاشرة صباحا وصلت قوة كبيرة من داعش الى ( شنكال)، ولكننا تعرضنا للاسر قبل ذلك الوقت، في الحقيقة لم اتعرف على وجوه الاشخاص الذين اعتقلونا وتعاونوا مع داعش لانني لم اكن اعرفهم اساسا قبل مجيء داعش ولكنني متأكدة من تعاون اهالي بعض القرى المجاورة لقريتنا مع عصابات داعش لأنهم عندما سمعوا ان داعش اوصلت مشارف(شنكال )، حملوا اسلحتهم ورحبوا بهم احسن ترحيب وبايعوا البغدادي ). 

تعيش (ايفانة ) اليوم في احدى الدول الاوروبية ولكن تخشى من تكرار ماحصل لهم من جرائم الإبادة،وتقول بكل صدق وصراحة : ( ليس لدينا ضمانات بعدم تكرار ما حدث ولا نستطيع العيش مع من نهبوا وسلبوا منّا كل شيء وقاموا بخيانتنا وسبي بناتنا وقتل عوائلنا، وعليه لم نعد نثق بأحد، لقد استهدفوا كل مقدساتنا وحضارتنا ولم يتركوا لنا شيء الا الموت، الوضع الحالي للمواطن الايزيدي صعب جدا كون كل فرد ايزيدي فقد احد او مجموعة من عائلته، والاكثر من هذا ولحد اليوم لم يساعدنا احد، نحن سئمنا من هذا الوضع،تصوروا معي ما يقوله الفرد الايزيدي اليوم ( اختي معروضة للبيع ب 100 دولار امريكي وانا لا املك 100 دولار)،فأنا شخصيا اتصور ان حملات الابادة ستتكرر، اضيف الى ذالك لحد هذه اللحظة لم يتم القاء القبض على اي شخص من المناطق التي ساعدت داعش بل بالعكس فهم يعيشون برفاهية وكأن شيئا لم يحدث، اما نحن فقدنا كل شيء ولازالت الإهانات بحقنا متواصلة، على سبيل المثال : لا يحق للنشطاء الايزيديين التعبير عن رأيهم، ولا يحق للايزيدي رفع العلم الايزيدي في مناطقهم، كما انه يصعب عليه القول بأنه ايزيدي لأن لا احد يحترم ديننا فلذلك لا شيء يؤكد لي ان الايزيدية كديانة سيتم حمايتها وستُحترم وبالتالي فتكرار الابادة ايضا متوقعة ). 

تعرفت الناجية (ايفانة) قبل ايام على أحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي عندما ظهر على شاشات فضائية ( رووداو ) الكردية خلال نزوحه مع أهالي( تلعفر) إلى مناطق آمنة تحت سيطرة القوات العراقية.

تمكنت ( ايفانة) عندما كانت تتابع أحدث الأخبار العاجلة والتحليلات والتقارير الميدانية عن نزوح اهالي تلعفر( غرب الموصل ) بعد ان استسلموا لقوات العراقية, تمكنت من التعرف على مسؤول داعشي بتنظيم الدولة الإسلامية، وهو يتحدث عبر الفضائية المذكورة عن احداث تلعفر ويتظاهر بأنه نازح، حيث قالت لي (ايفانة) وعينيها مليئة بالدموع : ( كنت أنظر إلى التلفاز بذهول وفجأة ظهر على الشاشة (ابو علي) بين النازحين )، (هذا الجلاد الذي لن أنساه ابدأ، وسيبقى اسمه (القذر) يتردد في عقلي إلى أن أقتص منه على ما فعله لي ولبنات جلدتي، لقد ظهرهذا الجلاد على شاشة التلفاز قبل ايام بين نازحي تلعفر, وتذكرت افعاله وكيف كان يتاجر بنا وياخذنا للبيع في السوق النخاسة، وهوشخصيا قام (ببيعي لأكثر من شخص في سوق العبيد) ولهذا اعرفه جيدا،التقيت به منذ اليوم الاول الذي نُقلت به الى تلعفر وكنت اراه كل يوم). 
وحول من يتحمل مسؤولية إبادة الايزيديين، تقول (ايفانة): هناك ا كثر من جهة تتحمل مسؤولية إبادتنا نحن كشعب ايزيدي، وفي مقدمتهم : حكومة اقليم كردستان وحكومة العراق واهالي القرى المجاورة والكثير من الجهات المسوؤلة لأنها حملت على عاتقها حمايتنا ولكنهم هربوا وتركونا لقمة ساغة للإرهابيين، اما القسم الاخر فتعاونوا مع داعش مباشرة).

على الرغم من الانتصارات العسكرية الكبيرة على داعش الإرهابي، من الضروري جدا ان تعمل الجهات المعنية في شن حرب فكرية واسعة بالتوازي مع الحرب العسكرية الجارية، لاجتثاث فكر التنظيم الذي يبقى موجودا ومؤثرا في عقول الناس وخاصة (البسطاء)، لان التجارب الماضية اثبتت بان العقيدة الداعشية تسيطر على الفكر بشكل أكبر من السيطرة التي يفرضها أفراد تنظيم داعش او اي تنظيم إرهابي اخر باستخدام السلاح. 

فجأة ضمت (ايقانة) يديها بقوة لصدرها وقالت: (في الحقيقة منذ ان تحررت الموصل كنت اكرر دائما هذه الكلمات : تحررت الموصل، ولكن من يحرر عقول الناس من سموم الإرهاب والإرهابيين، من سيضمن ان الناس لن تطبق افكار داعش في المستقبل) لان بصراحة داعش زرعت بذور الحقد والانتقام والاكراه والغاء الاخر في عقول الناس، اقول بصراحة ان اجتثاث فكر داعش يحتاج لسنوات كثيرة وكثيرة جدا. اضافة الى ذالك، اننا بحاجة إلى قوانين تحمينا من الأفكار العنصرية المتطّرفة). 
اخيرا اقول: 
اعتقد جازمأ بان إعادة تأهيل خطباء المساجد والمعلمين في المدارس الدينية تحديدا، بالإضافة إلى ضرورة تعديل مناهج التربية والتعليم في العراق والدول العربية بشكل عام امرضروري جدا، فنحن بحاجة الى مناهج علمية وتثقيفية لتنشئة جيل يؤمن بالتسامح وتقبل الآخر بدل تثقيفهم بالفكر المتطرف العقائدي والغاء الاخر كما يحصل الان، على سبيل المثال لاالحصر، كما نعرف جميعا بان مقررات (الأزهر)، وهو الذي يعتبر رمز (الاعتدال) في العالم الإسلامي وينظر إليه على أنه المنبر الإسلامي الأعرق والحقيقي في تاريخه واعتداله الديني، ولكن للاسف يدعوا بعض منهاهجه على كراهية الآخر وتشجيع قتله بابشع الطرق،ففي المقرر المسمى (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع) والذي اطلعت عليه شخصيا، والصادرعن قطاع المعاهد الأزهرية في 2014.

يدرس الفقهاء المصريون طلابهم المتن الفقهي الشافعي الذي يقول على سبيل المثال : للمسلم- كفايه لشر (الكافر ويقصد بالكافر كل من يؤمن بدين غير دين الاسلام ) (ان يفقا عينه، او يقطع يديه ورجليه، وكذا لو اسره، او قطع يديه او رجليه، وكذا لو قطع يدًا ورجلًا) وهذا نص يحرض على القتل والتعذيب والغاء الاخر تماما وبحجج واهية. 
وفي صفحه 357 من نفس المصدر يعلم الازهر تلاميذه كيف يهينون اصحاب الديانات الاخري المخالفين للاسلام جاء في النص : وتعطي الجزيه من الكتابي على وصف الذل والصِغَار ويقولون له (اعط الجزيه يا عدو الله )، وفي نص اخر يعلمون تلاميذهم بـ( ان من قتل مرتدًا فلا شيء عليه، كما انه يتم الاستيلاء علي مال المرتد)، والمرتد في اصطلاح الفقهاء هو الذي يكفر بعد إسلامه، ويلزم (المرتد وكل كافر) التوبة إلى الله تعالى والدخول في الإسلام من جديد، فإن تاب تاب الله عليه، فإن لم يتب فإنه( يُعاقب بالقتل). 

وعليه نؤكد ونقول : ان مراجعة المناهج الدراسية بشكل عام بات من الضروريات لاجتثاث العنف والاكراه والغاء الاخر في مجتمعاتنا. 
وفي هذا الجانب تقول( ايفانة) : من خلال تجربتي رأيت ان بعض الائمة والخطباء يحرضون الناس على الفتنه ويصفوننا بابشع الاوصاف ويسيؤون لنا بالتلميح أو التصريح، وعليه اعتقد ان الدروس التوعية والإرشاد بشكل عام اهم بكثير من الدروس الدينية لأنني اظن ان الناس يجب ان تتعلم اشياء عن الديانات والثقافات الاخرى ايضا وليست ديانة الفرد وحده، كما في الدول الغربية،هناك ضرورة ملحة لنشر ثقافة الاديان المتعددة في مجتمعنا ). 

صمتت( ايفانة ) قليلاً ثم نظرت الية وقالت بكل كبرياء وثقة : (نحن هنا لكي نضع بصمتنا في هذا الكون، و الا ما فائدة مجيئنا اليه ). 
نعم، بعد هذه الصرخة ودعت البطلة( ايفانة ) وقلت لنفسي، أدركت الآن لما أثارت صورة( ابو علي ) (ايفانة )ولماذا صرخت وبكت عندما ظهر( ابو على) على فضائية (رووداو ) الكردية، نعم، ادركت الان لماذا صرخت (ايفانة ) بملء فمها وهي واقفة امام شاشة التلفاز بذهول وتصرخ : ( انه هو، ابوعلي القذر، هذا الشخص الذي اشتراني وباعني اكثر من مرة، لا يمكنني نسيان وجهه ابداً، كان مسؤولا عن بيع وشراء جميع الايزيديات في تلعفر وانا واحدة منهم، انه هو، هو (ابو على ).
ــــ
*ملاحظة، هذه المقالة مقتبسة من لقاء مع الناجية الايزيدية ( ايفانة وليد حسين ) في 25 / 8 / 2017 لايصال صرختها الى كل من يهمه الامر.