إذا ما كُتب البقاء والاستمرار لما يسمى بـ" الإدارة الذاتية الديمقراطية " الكردية، التي اُعلنت في 21-1-2014 من قبل (حزب الاتحاد الديموقراطي PYD) في مقاطعات ثلاث في الشمال الشرق السوري (الجزيرة - عين العرب - عفرين)، من طرف واحد ومن دون موافقة واعتراف الحكومة السورية بدمشق، فأنها ستشكل منعطفاً سياسياً ومجتمعياً تاريخياً في شكل النظام السياسي وهوية الدولة السورية القائمة، كذلك في المستقبل السياسي لأقوام هذه المناطق. الآشوريون (سرياناً/كلداناً)، المكون الثالث بعد العرب والاكراد في مقاطعة الجزيرة. اسباب عديدة، سياسية وغير سياسية، جعلتهم يتحفظون ويرفضون "الادارة الكردية" ويحجبون عن الانخراط في هيئاتها ومؤسساتها . الإدارة المعلنة، لم تأت في إطار (مشروع وطني ديمقراطي تحديثي شامل) يتيح لأبناء منطقة الجزيرة فرصة المشاركة الفعلية والمتوازنة في إدارة شؤونهم والنهوض بمنطقتهم، وتطوير مختلف الثقافات واللغات المحلية (الآشورية /السريانية، الكردية،الأرمنية، العربية ) التي تزخر بها. أنها مشروع "قومي كردي"، يعمل عليه الأكراد، مستغلين الظروف والأوضاع الأمنية والسياسية الاستثنائية، التي تعصف بالبلاد. طرح الإدارة الذاتية تحت مسمى "كردستان سورية أو غرب كردستان أو روج آفا " يرفضه الآشوريون، كما كل السوريين من غير الأكراد، لما ينطوي عليه هذا المصطلح من مغالطات تاريخية وسياسية ويخفي نزعة انفصالية . هذه التسميات، الغريبة عن التاريخ الحضاري والسياسي لسوريا، هي بمثابة "قنبلة موقوتة" ستفجر "الإدارة الكردية" من الداخل، خاصة مع توسيع حدودها الديمغرافية لتمتد في العمق العربي بريف الحسكة والرقة وديرالزور، حيث سيصبح الأكراد "اقلية عددية" صغيرة بالنسبة للمكون العربي. 

خطابات وتصريحات القائمين على "الادارة الكردية" والمروجين لها، يتحدثون عن الاشوريين والأرمن والمسيحيين عموماً، وكأنهم يعيشون "عصرهم الذهبي" في "فردوس كردي"، فيما كل المعطيات، السياسية وغير السياسية، تؤكد يوماً بعد آخر على أنهم(الاشوريون) خارجون من تحت الاستبداد العربي، ليدخلوا تحت الاستبداد الكردي. اربع سنوات مضت على اعلان ما يسمى بـ" الإدارة الذاتية الديمقراطية" الكردية، وهواجس الآشوريين والمسيحيين الخاضعين لسلطتها، لم تتبدد، بل تعمقت أكثر فاكثر . أن يتطور (بزمن دقائق) تلاسن بين عناصر دورية الاسايش(شرطة الادارة الكردية) وشخص أعزل، الى استخدام السلاح، كما حصل مساء الخميس 31 آب الماضي في منطقة ذات غالبية مسيحية وسط القامشلي مع الشاب (توماس هاكوبيان)، الذي نجا بأعجوبة من إصابة بليغة في رقبته برصاص الاسايش لمجرد تلاسن معهم، يطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مستقبل الآشوريين والمسيحين في ظل هكذا سلطة مستهترة بأرواح وكرامات وحقوق الناس، أخذت من "العنف" نهجاُ لإرهاب الجميع وإخضاعهم لسلطتها الغير شرعية "سلطة امر واقع" . في إطار هذا النهج، اقدمت مجموعة مسلحة، تابعة لميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في 22 نيسان 2015، على خطف واغتيال (داوود جندو)،قائد (حرس الخابور الآشوري) ومعاونه (الياس ناصر)، الذي نجا بأعجوبة، بعد إصابته البليغة. في كانون الثاني 2016، داهمت قوات الاسايش ليلاً حواجز وتحصينات اقامتها قوات الحماية المسيحية (السوتورو ) في حي الوسطى، بعد تعرض الحي لسلسلة هجمات ارهابية ( مفخخات وانتحاريين)، أوقعت العشرات بين شهيد وقتيل. وكأن الذي جرى ويجري في الأحياء والمناطق ذات الغالبية( السريانية الاشورية الارمنية المسيحية)، هو "عقاب" لسكان هذه المناطق الخارجة عن سلطة الاسايش الكردية. مثل هذه الاعتداءات البربرية والانتهاكات لحقوق الناس، تشكل "صفعة قوية" للعيش المشترك وتنسف شعارات التآخي والشراكة الحقيقية وتدفن مشروع "الشعوب والأمم الديمقراطية"، الذي يزعم(حزب الاتحاد الديمقراطي) بأنه يعمل على تحقيقيه في المناطق الخاضعة لسلطته. 

في بيان مشترك، صدر في تشرين الأول 2015 عن كل من "الكنيسة السريانية الأرثوذكسية- الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية- مطرانية الأرمن في الجزيرة والفرات- الكنيسة الكلدانية - كنيسة المشرق الآشورية- الكنيسة الآشورية القديمة- كنيسة السريان الكاثوليك- الكنيسة الإنجيلية الوطنية- هيئة السلم الأهلي للسريان الأرثوذكس- المنظمة الآشورية الديمقراطية- الحزب الآرامي الحر- الهيئة السريانية للقرى الزراعية- التجمع المدني المسيحي- تجمع شباب سورية الأم- مؤسسة شباب المصالحة الوطنية- مركز الثبات المسيحي السوري" عبرت هذه الكنائس والمؤسسات والهيئات والأحزاب المسيحية في الجزيرة السورية عن استيائها من نهج وسياسات "الإدارة الذاتية"، وأدانت قراراتها المتعلقة بـ (فرض التجنيد الاجباري وقانون استملاك ممتلكات المهاجرين وفرض تعليم المنهاج الكردي ). جاء في البيان أن " قانون إدارة أموال الغائبين والمهاجرين يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان وحق المواطنة، وحق التملك الذي هو حق شخصي مقدس، وإن محاولة تخوين المهاجرين بوطنيتهم و قوميتهم غير مقبول وطنياً وقومياً، كما أن محاولة تشريع تشكيل لجنة، والمسماة (القيّمة على أموال الغائبين والمهاجرين) محاولة للاستيلاء على أملاك الغير بحجة استثمارها لصالح المجتمع والمتضررين". أضاف البيان "إن هذا القانون يشكل خطراً ديموغرافياً على المسيحيين بالكامل في منطقة الجزيرة بإحداث خلل ديموغرافي في السكن، والتمليك أو محاولة الاستيلاء على الأراضي الزراعية والعقارات في الريف، والتي تمثل فيها ملكية المسيحيين ما يقارب الـ 35%، وهذا يشكل ترهيباً لمن تبقى ولمن هاجر، وتخويفه من العودة إلى الوطن، و إن عدم بيع المسيحيين لأملاكهم وعقاراتهم وتنظيمهم وكالات عامة أو خاصة لأقاربهم بإدارة أملاكهم حق مشروع قانوناً، لا يجوز التشكيك فيه، وخطوة في طريقة العودة إلى الوطن". وقد حذرت الكنائس والاحزاب والهيئات الآشورية والمسيحية من أن هذه الممارسات ستثير "الفتن الطائفية والعرقية" في المجتمع و ختمت بيانها، بالمطالبة بإلغاء هذه القوانين والقرارات ومقاضاة الادارة الكردية. "نعتبر أنفسنا مدّعين شرعاً، وقانوناً أمام المحاكم ودوائر القضاء المحلي والدولي للمطالبة بإلغاء هذا القانون".

 باحث سوري مهتم بقضية الأقليات

[email protected]