السلام غاية انسانية نبيلة، وما من أزمة او مشكلة أو حرب بين طرفين الا ونهايتها تحسم بالتفاوض والحوار المتقابل لارساء السلام وتحقيق العيش الأمين للانسان اينما كان على وجه المعمورة، وكلما استندت العملية الى مقومات عملية وقواعد متينة واسس صائبة كلما انته المسار بالخير والمنفعة والمصلحة المتبادلة لصالح الاطراف والشعوب والدول المختلفة والمتأزمة مع بعضها، والعراق الاتحادي واقليم كردستان من ضمن هذه الاطراف التي تجمع بينهما خلافات ومشاكل وأزمات عالقة، وهي لا تسمح بارساء أرضية متينة لبناء علاقات استراتيجية قصيرة الأمد وبعيدة المدى تخدم المصالح العليا للطرفين وتكون في خدمة الشعبين، والاستفتاء احدى المشاكل الجديدة التي برزت لتزيد المسافة بين العاصمتين بغداد العتيقة واربيل الجديدة.

والمؤلم ان بوادر كثيرة للممارسات والخطوات السياسية المتسمة بالسلبية بدأت ترافق دعوة الاستفتاء في اقليم كردستان والتي اطلقت باجتماع وقرار حزبي بعيد عنالشرعية البرلمانية المخولة من قبل شعب الاقليم، وما يطلق من ادعاء بان قرار الاستفتاء عائد للشعب باطل تماما لانه أصلا غير صادر من المجلس الوطنيالمنتخب والمعطل أساس بأمر حزبي، وهو غير مشرع من قبل الممثلين المنتخبين من شعب كردستان العراق، وغياب هذه القاعدة القانونية الشرعية عن قرار الاستفتاءيعتبر من أهم المعوقات التي تواجهه، ولهذا فان ما يجري من اجراءات تنفيذية برعاية المجلس الاعلى للاستفتاء باطلة وغير شرعية لانها لم تصدر من مرجعية برلمانية، وهي على عجالة ودون أرضية متينة، واضافة الى ذلك فان العملية جوبهتبالرفض التام من قبل الحكومة الاتحادية والامم المتحدة والولايات المتحدة، وهذه الاطراف الثلاث ضرورية وحتمية لتبني ودعم استفتاء الاقليم في حال الاتفاق عليه بالتنسيق والتعاون بين سلطة الاقليم والحكومة الاتحادية في بغداد.

والغريب ان راعي الاستفتاء يعترف ان الاستفتاء مجازفة، والاحداث تؤكد ان هذه المغامرة غير مضمونة النتائج وقد تجلب عواقب لا يحمد عقباها، وذلك لان العملية تسودها عقبات كثيرة سياسية وقانونية وتنفيذية ودستورية وادارية وخاصة في المناطق المتنازع عليها، والقرارات الصادرة بشأنها كما هو معلوم لم تستند الى مرجعية برلمانية، وما بني على باطل يبقى باطلا، وهذه التراكمات اللاشرعية من السهولة الطعن بها من قبل السلطات الاتحادية في بغداد والاقرار برفضها لعدم قانونيتها، ولهذا على شعبنا الكريم في الاقليم التأني والتحلي بالصبر لقراءة ما بين سطور الاستفتاء، والتأني أيضا بخصوص اتخاذ قرار الانفصال عن العراق،والتفكير العميق في هذا الاتجاه واجب للنظر بجدية ودقة الى ما يحيط بكرد الاقليموما يقدم عليه، والتأكيد على اعتراف الدستور العراقي الدائم بكيان اقليم كردستانبسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية وبما عليه يعتبر من أكبر واهم الانجازات التاريخية للامة الكردية في تاريخها القديم والحديث، ولهذا وجب عدم الافراط بهذاالمكسب الاستراتيجي والمكانة الدستورية، وبذل الجهود للعمل على تحسينها وتطويرها ضرورة لازمة لحين حصول وتحقيق توافق سياسي بين بغداد واربيل في المستقبل، وذلك لضمان حق تقرير المصير لشعب الاقليم لنيل الاستقلال الكامل والانفصال عن العراق بالسلام والأمان.

وما يدفع بنا الى طلب التأني من شعبنا الأصيل بخصوص الاستفتاء أسباب عديدة وعوامل كثيرة، ومن باب الاعتزاز والقراءة العقلانية نقول لشعبنا الكريم أياكم أياكم يا شعب اقليم كردستان الانفصال عن العراق، لان الاخير يختلف تمام الاختلاف عن ما قبل الفين وثلاثة بالرغم من الاخطاء القاتلة لحكوماته الاتحادية بحق الحقوق الدستورية للاقليم وخاصة قوت المواطنين والبيشمركة الابطال وحقوق سكان المناطق المتنازع عليها وغيرها، ولكن لا يخفى ان الأسباب الحقيقية للمشاكل المتراكمة العالقة تعود للطرفين وليس لطرف واحد.

والمعلوم للجميع ان القرار المتخذ بشأن الاستفتاء لا يستند الى مقومات مضمونة لتحقيق النجاح لأنه بعيد عن التفاهمات التوافقية السياسية مع الحكومة العراقية الاتحادية ومع الاحزاب الكردية، وبعيدة عن اشراف ورعاية الأمم المتحدة، وبعيدة عن دعم الولايات المتحدة الامريكية الذي يعتبر اللاعب الرئيسي المتحكم بالشؤون العراقية، وهذه الأسباب التي تنقص العملية هي منطقية ونابعة من منطق الحكمة والعقل، وهي تلزم اعادة التفكير بجدية بدعوة الاسستفتاء لما تحمل من مخاطر وعواقب قد يتعرض لها الاقليم مستقبلا، ولهذا فان بذل الجهود للمطالبة باخراج شعب الاقليم من هذه اللعبة والمجازفة السياسية اليائسة بسلام وأمان تعتبر مهمة وطنية وانسانية عاجلة لابد من القيام بها، ودعوة تأجيلها لمدة سنة من قبل الاحزاب والجماعات المدنية والمجموعات المهنية والاجتماعية والثقافية باتت ضرورة حتمية من باب الحكمة، خاصة وان العملية بدأت تدور في حلقة مفرغة وغير مهيأة لها تماما كل الاستعدادات، وبعيدة عن التوافقات السياسية العراقية والاقليمية والدولية والاممية، وتجابه يوما بعد يوم بمواقف عراقية واقليمية متشددة، وثم ان اللعبة السياسية التي يتلاعب طرف حاكم بدأت تنكشف أوراقها المنخورة كاشفة النوايا الحقيقية البعيدة عن المشروع الوطني لتأسيس دولة مستقلة وفق تفاهم واتفاق للسلام ومبني على أسس متينة وسليمة بعيدة عن روح المغامرة، ولهذا حان الوقت للعقل الكردي ان يقول كلمته بوجه النظام المتلاعب بمصير الشعب دون حق، وحان الوقت للانسان الكردستاني ان يصحى وينتبه من مخالب الخدع القاتلة والطعنات المسمومة التي يراد تمريرها من قبل اطراف محلية واقليمية بغية تحقيق نهب كامل وشامل لكل ثروات وموارد وممتلكات الاقليم وخاصة النفط ومصادر الطاقة، واللبيب تكفيه الاشارة، والله من وراء القصد.

(*) كاتب صحلفي