في الحديث السابق وتحت عنوان الهوة السحيقة بين التخلف والتطور تحدثت عن تاريخ الانفصال الاسكندينافي حيث تشكلت ثلاث دول وثلاثة شعوب بعد ان كان شعبا واحدا ودولة واحدة عاصمتها كوبنهاغن حتى القرن الثالث عشرمع التنويه الى احتمال حصول انفصالات اخرى وتشكل دول اسكندينافية جديدة في المستقبل اذا كان ذلك في مصلحة تلك الشعوب والدول.

سعادة ورفاه الانسان والمصالح المشتركة في المجتمعات المتطورة والراقية هو الاساس في بناء الاوطان وليست الجغرافيا و التراب ومساحات الارض.
هذا في الغرب عامة وفي اقاصي الشمال الاوروبي موطن ارقى الشعوب على وجه الارض ايضا ولكن كيف الحال في الشرق الاوسط؟

عادة تبنى الاوطان لاجل المواطن وليس العكس. في شرقنا نجد ان الامر معكوس تماما اذ ان وجود الانسان او المواطن هو لاجل الوطن اذ ليس للانسان اية قيمة حيث يكون الانسان مجرد قربان في سبيل التراب الذي يسمى بالوطن.

لهذا نجد في الغرب المتطور الانظمة الفيدرالية و كذلك تفتت الدول وتشكل كيانات جديدة لاجل رفاه وسعادة الانسان المواطن مثل يوغسلافيا السابقة.
في شرقنا المسكين تم حشر شعوب واعراق وديانات ومذاهب حشرا في اوطان و دول مصطنعة رسمت بالقلم والمسطرة في باريس ولندن اي اتفاقية سايكس بيكو التي لم تعد تحتاج الى تعريف او توضيح.

في العراق وسوريا وتركيا وايران يعيش الكرد والعرب والفرس والاتراك مع خليط عجيب من اللغات والاديان والمذاهب التي لا حصر لها وهي في حالة تناحر وصراع وتآمر يندر وجوده على وجه الارض وكل ذلك بسبب عدم استقلال الكرد في دولة خاصة بهم كبقية شعوب المنطقة والعداء التاريخي المستفحل والدائم بين السنة والشيعة.
في تلك المجتمعات نجد ان الكل يكذب على الكل. الكل ينكر وجود الطائفية والجميع يمارسون ويطبقون الطائفية بكل حذافيرها من وراء الظهر.

هكذا تتلقى الاجيال منذ الطفولة دروسا في الكذب والنفاق والدجل والنميمة ونحصد بالطبع ما زرعناه وهو المشهد الحالي للحروب الاهلية المستفحلة والفتاكة.
نحن لسنا بحاجة الى دول وفيدراليات عرقية فحسب بل نحن بحاجة ماسة الى فيدراليات ودول طائفية ايضا حتى تتمكن كل طائفة حل مشاكلها على طريقتها وبكامل ارادتها بدلا من هذا الدجل الذي نمارسه من المهد الى اللحد.

شاهدوا المعارك التلفزيونية على الشاشات السنية والشيعية وعندها سوف تجدونني اني على حق فيما ذهبت اليه.
النقاش الدائر في الشرق الاوسط حول الفيدرالية يكاد ينحصر في جملة واحدة وهي ان الفيدرالية هي الخطوة الاولى الى الانفصال والانفصال في عرفنا هو نهاية الدنيا. ولكن ليس هناك اي حوار او دراسات او ابحاث توضح فوائد او مضار النظام الفيدرالي او الفوائد والمساوئ عند حدوث الانفصال.

قد يكون الانفصال وتشكل دول جديدة هو الافضل للاستقرار والتقدم والديمقراطية والرفاه وهذا ما حدث في اسكندينافيا التي ذكرناها في مقالنا السابق. وفي التاريخ المعاصر تشكلت 15 دولة جديدة من الاتحاد السوفييتي السابق و ستة دول من يوغوسلافيا السابقة ودولتان من تشيكاسلوفاكيا ومعظمها تعيش في سلام ووئام وتقدم نحو الرفاه.
من اهم افضال النظام الفيدرالي او الانفصال هو انه يؤدي الى حصر المشاكل والقضايا لكل مكون داخل فيدراليته او دولته حيث كل اقليم يحل مشاكله داخل اقليمه بدلا من ان يصبح عالة ووبالا على المركز وسببا للصراعات والتناحر.

احد اهم تعريفات النظام الفيدرالي هو انه عبارة عن تخلي المركز عن جزء من صلاحياته الى الاقاليم الفيدرالية بكل بساطة ولكن العلة في الهلع والفوبيا من الانفصال ليس في الفيدرالية وانما في فقدان الثقة بين المكونات و التي ينكرها الجميع. هذه الصلاحيات الممنوحة الى الاقاليم وشموليتها تختلف من دولة الى اخرى حسب الاتفاق والظروف الخاصة بكل دولة.

النظام الفيدرالي يفسح المجال امام المركز للتفرغ للقضايا الكبيرة والهامة مثل مراقبة تطبيق الدستور و الدفاع عن سيادة الوطن والمواصلات وبناء المشاريع الكبرى المشتركة بين المركز والاقاليم الذي يؤدي الى البناء والاستقرار والتقدم ومنع الانقلابات اوالتفرد بالسلطة.
لولا وجود اقليم كردستان الفيدرالي الحالي لكان المالكي الآن ديكتاتورا على العراق باجمعه.
حبذا لو رأينا البعض الأخر يأتي و يتطرق الى مساوئ الفيدرالية او الانفصال ولكن باسلوب يعتمد على العلم والتجارب وبذهنية منفتحة دون تشنجات ويفتح الباب للمناقشة دون تخوين او استهتار.

التخلف كان في منع اللغة الكردية في الدول التي يتواجد فيها الكرد.
الرقي والتقدم هو ان فنلندا تفرض تعليم اللغة السويدية على كل فنلندي في جميع مدارسها وذلك لاسباب اقتصادية وسوق العمل والاستفادة من التطور الكبير في السويد. لا يوجد اي رابط قومي او عرقي او لغوي او تاريخي بين السويديين والفنلنديين على الاطلاق فقط تجمعهم الجيرة.

كاتب كردي
[email protected]