أحد الأسباب الرئيسية لسقوط الامبراطوريات وتداعي الكيانات السياسية الكبرى على مر العصور كان بفعل الاستبداد&وغياب القوانين والآليات المنظمة للعلاقات والمصالح بين مجموع الأطياف المكونة للمجتمع.&لذلك فإن تلك الإمبراطوريات والدول بدأت&بالانحدار والتقهقر&التدريجي حينما ساد التمييز بين أطياف تلك المجتمعات على أسس عرقية ودينية&وإثنية، مما أدى الى غياب التضامن الداخلي على قاعدة المواطنة الواحدة،&وبروز كل النزاعات التي حاولت الاستفادة من توافر أسباب القوة لديها لتهميش الأطراف الداخلية الأخرى.

لا يمكن ان تتعايش الأطراف المكونة لأي مجتمع في إطار واحد إذا لم تسد قيم العدالة والإنصاف الواقع الذي تعيشه هذه الأطياف المجتمعية، ولا سبيل لتعايش حضاري&وسلمي من دون عدالة تلغي كل حالات التهميش وتحافظ على كل أسباب العدالة في الحقوق والواجبات. إن الحرص على قراءة هذه المسألة ودراستها بشكل مفصل وعميق لا يقصد منه إثارة النعرات العرقية او الدينية او&الإثنية&بين أطياف المجتمع، او تشجيع أصحاب المصالح الشخصية&للاستفادة&من هذه التنوعات، وانما القصد هو بناء وتعزيز مفهوم المواطنة الحقة على قاعدة صلبة تستند&الى العدالة والمساواة والحرية. ولا يمكننا تحقيق هذا الهدف دون&الاعتراف&بوجود هذه المشكلة في مجتمعاتنا العربية والعمل معا&من&اجل وضع العلاج المناسب لها.

اذا&توافرت العدالة الحقة، توافر احد اهم عناصر العقد الاجتماعي السليم الذي يحافظ على الاستقرار ويقوي عوامل الأمن الاجتماعي الاخرى، فلا مواطنة حقة دون عدالة. العدالة&هي&السبيل الى&خلق المواطن الصالح المدافع عن منجزات وطنه ومكتسباته. والعدالة التي ننشدها سبيلا للتعايش الحضاري بين مختلف أطياف المجتمع تعني:

1.&نبذ كل اشكال التمييز وعدها من الأسباب الرئيسية التي تهدد وحدة الوطن وامنه وسلامته.

2.&تكافؤ الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فمن غير الإنصاف والعدل ان يحرم انسان ذو كفاءة&ونزاهة وتخصص علمي من خدمة وطنه بسبب&إنتمائه&السياسي او الديني او العرقي. إن مقتضى العدالة ان تكون&جميع الفرص متاحة للجميع، والأكفأ هو الذي يتحمل المسؤولية.

لا يكتمل عقد العدالة في أي مجتمع إلا بالعمل على تكريس مبادئها عبر مؤسسات دستورية وقوانين&تحميها من التجاوزات والإلغاء، وهذا يتطلب تطوير النظم والقوانين السائدة وإرساء دعائم ومتطلبات الديمقراطية، وذلك لأن الداء الذي يعرقل الإصلاحات ويعمق الفروقات والاختلاف هو غياب العدالة ومبادئ تكافؤ الفرص. لقد اثبتت التجارب التاريخية العديدة ان المؤسسات الدستورية وسيادة القانون وتكريس العدالة هي الكفيلة بتعميق حس المواطنة الحقة والصالحة، وهي القادرة على خلق المواطن الصالح والولاء الصادق للوطن.

العدالة الحقة التي ينشدها الجميع هي تعظيم قدرات المجتمع وتحصين له ضد الأزمات الداخلية&والاختراقات&الخارجية،&وهي السد المنيع الذي&يفشل&كل عمليات ومحاولات الاختراق للجسم الوطني،&وهي القادرة على إفشال كل الرهانات التي لا تريد خيرا للأوطان.&&

)لا&شيء يستحق الاهتمام أكثر من أن نفهم بوضوح اننا ولدنا من اجل ان نحظى بالعدالة، ولا تتأسس العدالة عن طريق الفكر والآراء بل تقررها الطبيعة(. (شيشرون).