يقصد بالعنوان، الولايات المتحدة الامريكية، فمن مساوئ او من محاسن القدر، لا نعلم، ان امريكا الذي هو اسم لقارتين كبيرتين، يختصر ليعني الولايات المتحدة الامريكية. المهم في عالمنا، عالم اللامنطق، امريكا التي هزها اسم صدام وحافظ الاسد وجمال عبد الناصر، والتي لا تزال تموت يوميا مع ربيبتها اسرائيل في ايران الثورة. كانت سببا لمصائب القوم، من التخلف الاقتصادي والاجتماعي الى كونها العائق لبروز عظمة هذه الدول في الذبح من الوريد الى الوريد. والظاهر ان السيد اروغان، والذي شبهته بصدام وخصوصا في سنواته الاخيرة. انضم الى الجوقة التي تقول بان امريكا هي سبب مصائبه، سواء على مستوى الليرة المنهارة او المشاكل مع الجيران ومع المكونات في تركيا.

واخر اقواله في هذا الصدد، ان امريكا قد طعنته في الظهر، اي كما نقول خانته، وهذا معنى كبير، يعني ان امريكا كانت قد اتفقت معه على امور كثيرة ولكنها خانت الاتفاق وباعته لاخرين، قد يكونوا&قدموا اكثر. طبعا السيد اردوغان لا يصرح بهذا، بل ان قول طعنته في الظهر يوحي بذلك. والظاهر ان أميركا دائما كانت تخون اصدقاءها، فهي قد خانت العرب في تسليم فلسطين لليهود، كما يحلو للقادة العرب او اتباع الأيديولوجية العروبية ان يقولوا او ينشروا. وهي خانت انتفاضة جنوب العراق عام 1991، في الوقت الذي كان المنتفضون يتنافسون مع ايران في رفع الشعارات الثورية الاسلامية الشيعية. الامر الذي ارعب دول المنطقة، لتقنع أميركا بالتراجع عن دعم هؤلاء الثوار من اصحاب الشعارات الكاسحة والماسحة. فكان ما كان والقصة معروفة.

لا اعتقد ان اميركا تتعامل مع اردوغان كشخص، وان اوحى غروره الشخصي ذلك. فامريكا تدرك ان تركيا، اتخذت اتجاها جديدا، منذ زمن توركت اوزال، اي الدوران ببطء نحو الشرق، الى محيطها الذي اعتبرته المحيط الطبيعي لها، ومجالها الحيوي، الدول التركمانية، وبالاخص بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وما قام&&به اردوغان ليس الا، توسيع المجال الحيوي نحو الدول العربية جنوبا، باعتبارها حديقته الخلفية، ودول اسلامية، كانت تابعة للسلطنة العثمانية. من هنا يمكن فهم الخطوات التي اقدمت عليها تركيا، من عدم فتح ممر لدخول القوات الامريكية ابان حرب تحرير العراق. وخطوات اخرى سياسية ودبلوماسية كثيرة اعتبرتها امريكا خطوات لا تنم على الصداقة وعلاقة الحلفاء القائمة، ولعل مسأل شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية اس 400، والتي قد يؤدي ادخالها الى اختراق منظومة الاسلحة في حلف شمال الاطلسي. اذا الطعنة في الظهر اتت من تركيا اولا.&

لقد استساغ السيد ارودغان، خطاب زعماء العالم الثالث، ممن استهوتهم عملية التهجم على امريكا، لنيل شهادة الوطنية من شعوبهم، باعتبارها الشيطان الاكبر او راس الامبرايالية العالمية. وحاول ان يطبقه معتقدا، ان السيد ترامب هو كباقي الرؤساء الامريكيين ممن لا يهتمون لمثل هذه الممارسات او التصرفات، فالمهم لديهم كان الصافي الذي يدخل الى جيب امريكا. غير مدرك ان السيد ترامب، كانسان ذو ايديولوجية شعبوية، ينافس ارودغان في الاهتمام بالرموز والمكانة الوطنية، وان لم يتخلي عن الربح الصافي. من هنا الاصطدام القائم، بين امريكا وتركيا والذي حاولت تركيا ان تظهر بطولاتها في الصراخ والادعاء، لم يكن في مكانه. وكان للسيد اردوغان ان يتعض من تجربتة المماثلة والمؤلمة مع اسرائيل بهذا الخصوص ايضا ولكنه لم يفعل.&

ما يمكن ان يحدث جراء التطورات القائمة، باعتقادي، هو تكرار مشهد الخمسينيات مع مصر. اي انتقال تركيا من تحالفها مع الغرب الى تحالف مع روسيا، ومع ما يجلبه هذا التحالف من تغييرات، في نوعية التسلح الذي يمكن ان تعتمد عليه تركيا. اي ان تركيا ستتحول الى رهينة لروسيا من خلال الاسلحة التي سيتم تزويدها بها، ومن خلال ربطها بالدول التركمانية، التي لها علاقات اكثر من ممتازة مع روسيا، باستثناء اذربيجان التي علاقتها مع امريكا على افضل ما يمكن.&&ورغم الرسالة التي حاول ارسالها اردوغان بالقيام باول زيارة له، بعد انتخابه الى اذربيجان، والتي تعني ان توجهنا هو تركي ونريد ان نتوسع وان نعمل معكم، الا ان الرسالة لم تفد اذربيجانيا على الاقل، رغن التقارب القومي القائم.&

تركيا بالرغم من تحالفها مع العالم الاول، كل هذه السنوات، وبالرغم من تبنيها النظام العلماني اللاديني، رسميا، الا ان الدين بقى له اهمية كبيرة في الاوساط الريفية والاقطاعية. ورغم رغبتها المعلنة في دخول الاتحاد الاوربي، الا انها ونتيجة عدم قدرتها على تجاوز ثوابت اسلامية معينة، فانها لم تتمكن من ان تهيء نفسها لهذا الدخول، بل ارادت ان تفرض دخولها كحالة استثنائية، وهذا ما لم يرق لدول الاتحاد الاوربي المتفقة على امور كثيرة لكي يتمكنوا ان يبنوا سوقا موحدا، وسياسية موحدة.

سوقت تركيا الامر ليس على اساس التعامل مع&&مطالب يجب ان تتوفر، كمثال معايير كوبنهاغن، بل على اساس انها دولة اسلامية، واوربا تخاف الاسلام. في حين ان ملايين الاتراك يعملون في اوربا والكثير منهم باتوا يتمتعون بجنسيات هذه الدول.&

اليوم تركيا امام مفترق الطرق، جراء السياسيات والطموحات القومية نحو الشرق والحنين الاسلامي نحو الجنوب. ولاجل ذلك حاولت ان تدعم ثورات الربيع العربي وتركب الموجة وتدفع القوى القريبة منها للسيطرة على الثورة، كالاخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا. والظاهر بحسب مسار الاحداث ان تركيا لم تحصل من كل ذلك ، على شئ ملموس، بل ان هناك ابتعاد لدول كبيرة ومؤثرة في المنطقة عن تركيا، ومنها مصر والسعودية.

ان الاقتصاد التركي المبني على حرية التبادل التجاري، اصيب بنكسة كبيرة، جراء العلاقة السيئة، اي لاسباب سياسية في الظاهر، ولكن هناك مؤشرات الى الضن، بان النكسة كانت اتية، جراء الخطوات الكبيرة والتوسع الغير المنضبط في اقامة مشاريع ضخمة، تلائم طموحات اردوغان الشخصية، ولكنها لا تتوافق مع الحسابات الاقتصادية. ورغم قبضة اردوغان القوية وخصوصا بعد الانقلاب، الا ان هناك حدود لتمكنه من فرض حلول عالم ثالثية، اي ايجاد سوقين للعملة، سوق سوداء وسوق رسمية تسير بحسب توجهات السلطة السياسية. من هنا كان تحذير مستشارة المانيا انجيلا ميركل، من تدخل السلطة السياسية في عمل البنك المركزي، ومن هنا كان ايضا تطمين وزير مالية تركيا من ان تركيا، تؤمن باستقلالية البنك المركزي التركي.&

السؤال المطروح ليس هل تخسر تركيا مواجهتها الحالية، بل مقدار الخسارة، ان كان ممكن تحديده.