الخيال السياسي هو نوع ادبي فرعي من الخيال الذي يتناول الشؤون السياسية. ويستخدم الخيال السياسي في كثير من الأحيان لتقديم نقد للأحداث السياسية والنظم والنظريات. إن اعمال الخيال السياسي غالبا ما تقدم نقدا مباشرا للمجتمع الحالي او تقدم واقعا بديلا، وفي بعض الأحيان يكون رائعا. وفي هذه العجالة، سوف نتطرق باختصار الى دور الخيال السياسي في النضال السلمي الذي مارسه وطبقه على الأرض كل من "المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج". 
المهاتما غاندي
وهب حياته لمبدأ "الحقيقة واللاعنف" وطور تصورات عن المقاومة السلبية وضعها الأديب الروسي "لي تولستوي" لتكون أكثر كفاية وكفاءة الى ما سماها "الساتياغراها" وهي أكبر حملة عصيان مدني قومية في التاريخ الإنساني الحديث. ذلك الرجل المسالم استطاع ان يجمع الهند على كلمة واحدة على الرغم من تعدد ثقافاتها واختلاف ملل أبنائها بشكل يجعلها أقرب الى كونها دولا مختلفة لا دولة واحدة، فكانت مهمة توحيدها ضربا من الخيال، ولم يكن هذا ممكنا لو كان "غاندي" نفسه يفتقر الى مثل هذا الخيال، وتلك البصيرة التي جعلته يواجه المستحيل.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: كيف لرجل روحاني على هذا النحو ان يمارس دورا سياسيا عظيما، بل ويلهم كثيرين على هذا الدرب؟ هنا يجيب الأديب والمفكر "عباس محمود العقاد" حيث يقول: "إذا قلنا ان غاندي لم يكن سياسيا فنحن لا نريد بذلك انه كان دون السياسيين في ملكات عقله، ولا انه كان مفتقرا الى الدهاء الذي تقوم عليه السياسة، فإنه لم يكن خلوا من الدهاء، ولم يكن مقصرا عن الساسة في ملكات العقل والسليقة، ولكنه لم يكن سياسيا لأنه كان يعمل في سياسة قومه بأسلوب غير أساليب الساسة، بل غير أساليب الدعاة الشعبيين في أكثر الأحيان، كان يعمل في السياسية بأساليب القديسين. قيادة الهند بأجمعها الى طريق الخلاص لا تنفعها إلا زعامة واحدة هي "الزعامة التي تخاطب روحها وتنفذ الى صميم وجدانها، وليس زعامة الساسة الذين ينغمسون في الدنيا، فهذه الزعامة تضلها وتؤذيها وتثير فيها الريبة وسوء المظنة". 
يقول "غاندي": لا يمكن لمن يطمح للوصول الى الحقيقة ان يعتزل أي مجالات من مجالات الحياة، ولهذا دفعني اخلاصي للحقيقة الى مجال السياسة. من المستحيل التوحد مع جميع الكائنات الحية من دون تطهير الذات، ومن دون تطهير الذات يظل الالتزام بقانون "الأهيمسا" حلما زائفا، ولأن الطهر ينتقل بسرعة الى الاخرين، يؤدي تطهير الذات بالضرورة الى تطهير الوسط المحيط بها. لقد تخيل "غاندي" في طفولته المبكرة دوره، في حين فاضت مشاعره وانقدح عقله، ثم آمن تدريجيا بأن ما يحققه كفرد في وسعه ان يحققه للجماعة، حتى لو اتسعت لتكون شعبا بحجم الهند على تنوعه الشديد، ولولا هذا الخيال وهذه البصيرة النافذة ما تحقق لبلاده ما حلم به من استقلال ووحدة. 
لم ترق دعوات "غاندي" للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير 1948م أطلق أحد الهندوس المتعصبين ويدعى "ناثورم جوتسي" ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها "غاندي" صريعا عن عمر يناهز 78 عاما.
المقاومة السلبية التي طورها كانت في الأساس قد قامت ضد الاحتلال الإنجليزي للهند، إلا انها أثرت تأثيرا بالغا بعد رحيل "غاندي" في عام 1948م في حركات تحرير أخرى مثل "حركة الدفاع عن الحقوق المدنية الأمريكية" و "حركة تضامن البولندية، و "ثورة سلطة الشعب" في الفلبين التي أطاحت بالدكتاتور "ماركوس". 
مارتن لوثر كينج
وظف خياله السياسي الباذخ لتحرير الزنوج الأمريكيين من العبودية والاضطهاد والتمييز، حيث لم يذعن لدعوات الاستسلام التي وجهها البعض من البيض إليهم، مثل: ان يستكينوا ويدعوا الزمن يصلح ما فسد، او ان ينتصروا على شعورهم بالنقص ويحزموا حقائبهم عائدين الى أفريقيا موطنهم الأصلي برؤوس مرفوعة. كان لديه حلم مختلف تماما، وهو التحرير الكامل، وتجسد حلمه هذا في العبارة التي أطلقها امام النصب التذكاري للرئيس "إبراهام لنكولن" الذي أعلن تحرير الزنوج في الولايات المتحدة عام 1865م، وتقول: " احلم اليوم بأن اطفالي الأربعة يعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أعمالهم".
ولأن خياله السياسي ذهب ابعد كثيرا مما كان معروضا عليه من حلول جزئية، لم يكتف بفكرة التمثيل الرمزي للزنوج في الوظائف العامة الكبرى والمواقع والمناصب الأمامية في الجهاز البيروقراطي، كدليل او إشارة الى التقدم نحو حصولهم على حقوق المواطنة. ورأى ان هذا الأسلوب ينحرف بالزنوج عن غايتهم الرئيسية، وتمسك بمبدأ التحرير الكامل للسود مستفيدا من التصريح الذي ادلى به الرئيس "جون كيندي" في 11 يونيو 1963م، الذي قال: "الولايات المتحدة تواجه مشكلة أخلاقية قديمة قدم الكتاب المقدس، وواضحة وضوح الدستور الأمريكي، ألا وهي الاعتراف بأن من حق جميع الأمريكيين ان يتمتعوا بنفس الفرص وبنفس الحقوق، والذي لا يعترفون بهذا الحق لا يرجى لهم إلا المتاعب والعار، أما الذين يعملون بشجاعة فإنما يعترفون بحقيقة واضحة لا مناص منها". 
وانطلق "كينج" من مبدأ أن الشعب المضطهد لا يمكن ان يبقى مضطهدا الى الابد، والتعطش الى الحرية لا يلبث ان يثبت وجوده. واختار النضال السلمي لرفع هذا الاضطهاد قائلا: "أمامنا الطريقة الفضلى، وأعني بها المحبة والاحتجاج السلمي". أمعن "كينج" النظر في الأمور التي تجري حوله، فوجد ان الذين نادوا بحمل السلاح في وجه الرجل الأبيض لم ينجحوا في حل مشاكلهم، لأنهم اكتفوا بالتهليل واستسلموا لضجيج الحماس الأجوف، من دون ان تكون لديهم رغبة فعلية في ان يلقوا بأنفسهم الى التهلكة، او يخوضوا غمار معركة خاسرة. وهنا يقول "كينج": علينا ان نلاحظ ان المحافظين الذين ينصحون بالتريث، والمتطرفين الذين يطلبون منا ان نهاجم العالم بالسوط، يقفان على طرفي نقيض، ولو ان بينهما نقطة تشابه عجيبة فكلاهما فاشل لأنهما لم يصلا الى قلوب الجماهير المتعطشة.
وبذلك حقنت دعوة "كينج" انهارا من الدماء كان يمكن ان تسيل في شوارع المدن الأمريكية، واقترب من تحقيق أهدافه بأقل خسائر ممكنة في الأرواح. فسياسة عدم الاعتداء اثارت الارتباك بين السلطات التي هاجمتها وشلت كيانها. وعلى الرغم من ان رجلا متعصبا يدعى "جيمس إرل راي" أطلق النار على "كينج" في 14 فبراير 1968م فأرداه قتيلا، بينما كان يستعد لقيادة مسيرة زنجية تؤيد إضراب جامعي القمامة، فإن حلمه وخياله السياسي الفياض ألهم حركة الزنوج من بعده، فتقدمت في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية، حتى تمكن أحد السود وهو "باراك أوباما" من الوصول الى سدة الحكم كرئيس للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين، بعد حوالي 40 عاما من اغتيال "كينج". 
يقول "ألبرت آينشتاين": "الخيال اهم من المعرفة، فالمعرفة محدودة حول ما نعيه ونفهمه، بينما الخيال يشمل العالم وكل ما سيكون هناك لنعيه ونفهمه مستقبلا".
الأهيمسا: كلمة سنسكريتية، وتعني وفق الديانة الهندوسية والبوذية والجاينية "تجنب العنف وكف الأذى عن الآخرين. 
المصدر: كتاب "الخيال السياسي" لمؤلفه " الدكتور عمار علي حسين".